من المُضحكات المُبكيات بقاء البعض في كنف حدثني أحد الثقات “فقال ” ، ذلك البقاء لا ينم إلا عن شيء واحد ألا وهو الجهل والغباء والتأثر العاطفي بالمظاهر والشكليات التي لا تصدق في كثيراً من الأحيان ، في حقبة الثمانينات و التسعينيات من القرن الماضي أزدهر سوق الوعاظ فأصبحت مقولة حدثني أحد الثقات دارجة ولا يكاد يخلو مخيم دعوي أو خطبة جمعة أو برنامج وعظي تلفزيوني من وجودها فالوعظ قائمُ على تلك المقولة وهو “الوعظ” وظيفة من لا وظيفة له ، لو رجعنا لسبب ازدهار سوق الوعظ لوجدناه يعود إلى سبب واحد ألا وهو وجود فراغ معرفي فالنوادي والصوالين الأدبية لم تكن قادرة على سد الفراغ بالشأن الثقافي مما اتاح للوعاظ فرصة القفز خطوات متباعدة والسيطرة على الفضاء الثقافي والمعرفي ومن ثم السيطرة على الشأن الاجتماعي والفضاء العام ، بعد 2003م لم يكن سوق الوعظ كسابقة فعجلة التقدم سحقت الوعظ وجعلته ينزوي خصوصاً بعد الانفتاح الذي شهده الشأن الثقافي وما تبعه من انفتاح معرفي واجتماعي وكانت باكورته الحوار الوطني رغم بيروقراطيته الغير مستساغة وارتفاع سقف حرية التعبير بالصحافة السعودية والتي دشنتها سياسية جريدة الوطن السعودية آنذاك ، لو يرق للوعاظ ومن يقف خلفهم من الشخصيات الدينية الرفضية كما يسميهم ستيفيان لاكورا في كتابه زمن الصحوة ذلك الانفتاح والتغيير فعمدوا إلى تشويه كل شيء ورمي من يتصدى لهم بتهمة التكفير والزندقة والتغريب فكانت النتيجة صراع تيارات امتد لسنوات حتى وصل ذروته لعام 2009م -2010م ومع اندلاع الربيع العربي جاهد الرفضيون والوعاظ والمؤدلجون لإختطافه وتطبيق ما يتصورنه من مفاهيم عن الحياة والسياسة والاقتصاد والتنمية على الشعوب بالترهيب فكانت النتيجة دماء وصراعات لم تنتهي حتى هذه اللحظة ومن رحم تلك التصورات ولدت داعش وجماعات الإسلام السياسي المتطرفة ، بعد سنوات الذروة وتحديداً 2015 م سقط الوعظ ولم تقم له قائمة فالحقائق تكشفت واصبح المجتمع على قدرِ عالِ من الوعي والفضل يعود لمن حمل مشعل التنوير من مفكرين ومثقفين عايشوا سنوات الوعظ وما تسبب به من اختلالِ في المفاهيم كانت لها اليد الطولى في ادلجة المجتمع وسحق إرادته وحريته الفكرية التي ادناها حق اختيار ما يراه ويعتقده صواباً طالما في الأمر سعه ، يحاول الوعاظ اليوم إعادة برمجة الوعظ وإنتاجه من جديد ليوافق المرحلة التي يعيشها المجتمع ،لا يعلم الوعاظ أن الزمن تجاوزهم وتجاوز هرطقاتهم التي استغلوا بها البُسطاء وسيطروا على أفئدتهم وقدموا كل خرافة على أنها دين يتقرب به الفرد إلى ربه ، اليوم يوم العقل فلم يعد لمقولة حدثني أحد الثقات أن إمرأة التصق بيدها الريموت كنترول لأنها كانت تتابع مسلسل درامي أو وفاة شاب بعد أن ردد كلمات أغنية لفنانِ مشهور أو تمزق لحم فتاه عند تغسيلها وتكفينها لأنها كانت تلبس البنطال كما يسميه أهل الوعظ ….. الخ ، لم يعد لقصص الخرافات التي هدفها تدجين المجتمع وحمل الناس على اعتناق مذهب وفقة الواعظ أي قيمة فالمنقولات أياً كانت تمر اليوم عبر العقل الواعي وليس عبر العاطفة التي كانت في السابق مدخلاً لكل من أطلق لحيته مخادعاً لله ولرسولة وللناس أجمعين ولن يعود سوق الوعظ فالعقل قال كلمته بعد عقود من الصراع بين العقل المستنير والعاطفة التي قادت من أعلى شأنها إلى الجحيم ..