لم يعد للمطر فرحة فهو نذير خطرِ وشؤوم بعد أن كان رحمةً تحل على أهل الأرض ، من نقل المطر من حالةِ حسنة إلى حالةِ سيئة من جعله جالباً للحُزن والكوارث ويتمنى البعض عدم نزوله رغم الحاجة الشديدة له .

التغير المناخي حقيقة لا خيال فالمناخ يتغير عاماً بعد عام والأسباب كثيرة لكن أليس من الحكمة مجاراة ذلك التغير والاستفادة من التجارب العالمية المتقدمة ، مدننا تغرق بشبر ماء فعشر دقائق متواصلة من المطر المتوسط كفيلةُ بإغراق حيٌ بأكملة وعشر دقائق من المطر الغزير كفيلةُ أيضاً بإغراق مدينة بأكملها وهذه هي الحقيقة التي يكشفها لنا المطر عاماً بعد عام .

المدن الأوروبية لا تغرق رغم هطول الأمطار باستمرار على مدار السنة تغرق عندما تتعرض لإعصار وفرقُ كبير بين الإعصار وبين قطرات ماء تنهمر من السماء لا تستمر إلا لدقائق معدودة ، سبب غرق مدننا يعود إلى رداءة البنية التحتية التي رغم وفرة المداخيل المالية في السابق لم تتحسن فكيف يقال هناك بنية تحتية وصهاريج الصرف الصحي تجوب المدن صباح مساء وأحياء بلا شبكة مياة وأخرى تعيش على شبكة مياة رديئة مضى على إنشائها عشرات السنين ، قطرة ماء واحدة لا تُنبت رزعاً في أرضنا القاحلة بل تكشف فساداً واضح أثره بالطرقات والمباني التي لا تصمد وإن صمدت فصمودها لا يتعدى الدقائق المعدودة ، مليارات من الريالات يتم اعتمادها كمصاريف لتصريف السيول وتحسين البنية التحتية بمدن ومناطق المملكة ومع ذلك لا يرى المواطن أثرها في موسم الأمطار الذي بات فاضحاً لأشياء كثيرة ، لن تتحسن البنية التحتية وتتحسن معها الخدمات ويتحسن معها وضع المواطن البسيط إلا إذا وجدت الشفافية والمحاسبة وشارك المجتمع في الإدارة عبر اختيار ممثلية بالمجالس المحلية والبلدية ومجلس الشورى عندئذِ سوف يكون الفساد الواضح اثره في ملفاتِ وأشياء كثيرة محاصراً ومن استفاد منه يقبع خلف أسوار السجن بعد محاكمته ، مجالسنا البلدية المنتخب نصف أعضاءها ليست مجالس حقيقية فهي صورية ذات صلاحياتِ محدودة لا تستطيع محاسبة جهاز البلدية الذي يشرف على تلك المجالس التي من المفترض أن تكون مستقلة وذات صلاحياتِ واسعة وقس على ذلك مجالس المناطق والمحافظات ، شبر من الماء يجرف مدينة بأكملها ونصف شبر يُغرق حي بأكمله وقطرات معدودة توقف شارع حيوي فأين الخلل وأين الحل لمشكلةِ كشفت الواقع على حقيقته ، نحن على مقربة من الوصول ل2030 وبقاء قطرات ماء كاشفة لسوءة المدن سيجعل من تلك الرؤية وبرامجها الطموحة مشوهة وهذا ما لا نريده كمجتمعِ حيوي يطمح لبلوغ عنان السماء .