ثلاثة عقود قضاها السعوديون في حضيرة التكفير والتفسيق والتُهم ذات الطابع الأيديولوجي المتطرف وما أن تخلصوا من تلك العُقده وتلك الحقبة الزمنية ذات التكاليف الباهظة هاهم يقتربون من مرحلةِ جديدة لا تقل قُبحاً عن المراحل السابقة فالتهمة اليوم هي تهمة التخوين و خيانة الوطن دون دليل واضح وملموس فمن المسؤول عن ذلك ؟
الدفاع عن الوطن حقُ مشروع لأي فرد وحب الوطن من الإيمان لكن التطرف في حُبه أوصل البعض لمرحلةِ خارجة عن المألوف فهم الوحيدون الوطنيون وما عداهم ليسوا بمواطنين صالحين ، يعتقد من أُصيب بتلك العُقده أن على كل مواطن إثبات ولاءه لوطنه بأي طريقةِ كانت فهم يرون أن المواطن الصالح يجب  أن يكون حاضراً و مادحاً في كل موقفِ حتى وإن كان ذلك الموقف عبارة عن افتتاح عبارة سيول ، ليس من حب الوطن اظهاره بلا سبب مقنع فالأحداث الكبيرة هي التي تكشف معادن البشر وهذا ما يجهله من أُبتلي بعقدة الآنا والشوفينية ، صِغار العقول قد يُعذرون لكن من يتبوأ مركزاً عالياً لا يُعذر إذا وقع في مزلق التخوين وهذا هو المهم فقبل أيام خرج للعلن شخص مرموق يفترض أن يكون بحكم مركزه أداة لجمع الكلمة وتوحيد الصفوف وتعزيز القواسم المشتركة ليقول كلمة صعقت من في الأرض السعودية “التخوين حقُ مشروع لكل فرد ” فلا فرق بين التخوين والتكفير فكليهما جريمة بحق الأوطان والمجتمعات فالأول شعاره وطني والثاني ديني واعطاء الأفراد حق استخدامهما واسقاطهما يعني الدخول في دوامةِ تكاليفها باهظة على كافة الأصعدة والمستويات .
من يقف ضد وطنه خائن و هذا لا شك فيه ومن يصطف مع العدو خائن ومن يستغل الأحداث والملفات لضرب وطنه وتحقيق مصالحِ خاصة خائن الخ ذلك لكن من يملك حق التخوين الفرد الذي تغلب عليه العاطفة وتقوده إلى المهالك في كثيرِ من الأحيان أم القضاء وسلطته التي لا تُحابي أحداً ، اذا اختلف اثنان حول قضيةِ وطنية فقد يقول أحدهما للأخر أنت خائن لأنك لا ترى ما أرى وهذه هي الفرعونية في أبسط صورها ، التخوين ليس ملكُ للأفراد بل جريمة وهو في حقيقته حكم قضائي يستند على أدلةِ واضحة لا شك فيه وهذا الذي يجب أن يكون ويؤمن به الناس أجمعين ، الدفاع عن الوطن لا يكون بالتخوين فتلك وسيلة وحجة الضعفاء ، هناك حقيقة يغفل عنها من أُبتلي بداء التخوين المؤمن بنظرية إن لم تكن معي فأنت ضدي ألا وهي كل يُحب الوطن على طريقته التي قد لا تُشابه طريقة فلان من الناس ، لا يوجد إنسان في هذا الكون لا يحب وطنه فمن الحب ما قتل وقد يموت الإنسان بسبب فكرة ظنها صواباً وهي ليست كذلك ولا أعظم جُرماً من فكرة التخوين حقُ مشروع لكل فرد.