بعد مرور أربعين عاماً على إنشائها، تحتفي جائزة الملك فيصل بما قدمته من إسهامات وجهود كان لها الأثر الكبير في المساهمة في دعم العلماء وخدمة البشرية انطلقت الجائزة عام 1979م على يد ابناء الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز طيب الله ثراه، ومنذ ذلك التاريخ حرصت الجائزة على تأصيل المُثل والقيم الإسلامية في الحياة الاجتماعية، وخدمة الإسلام والمسلمين في المجالات الثقافية، والفكرية، والعلمية، وتحقيق النفع العام للبشرية.

انطلقت الجائزة بثلاثة فروع هي: خدمة الإسلام والدراسات الإسلامية، واللغة العربية والأدب ومنحت جائزتها أول مرة عام .1979 وأُضيف إليها فرعا الطب والعلوم ومُنحت الأولى في عام 1982 م والثانية في عام 1984 م حيث ساهمت هاتان الإضافتان في تعزيز قيمتها العلمية ومنحت الجائزة البعد العالمي.

جائزة خدمة الإسلام، ضمت قائمة الفائزين بها ملوك ورؤساء دول وعلماء أجلاء ومؤسسات خيرية، فقد ساهمت جائزة الملك فيصل في إبراز الجهود التي حققت فوائد ملحوظة للإسلام والمسلمين، ومن أبرز المجالات والإنجازات التي كرمتها الجائزة في هذا الفرع، خدمة الحرمين الشريفين والاهتمام بالسيرة النبوية ومساندة القضية الفلسطينية ومساندة الأقليات المسلمة لتنال حقوقها المشروعة في العيش الكريم وبرامج إعمار شملت بناء مستشفيات ومدارس ومساكن للمحتاجين في مختلف دول العالم العربي والغربي، وكان آخرها اختراع أنف إلكتروني محمول يكشف عن وجود المكونات غير الحلال في الأطعمة والمشروبات.

وقد ساهمت المواضيع التي حددتها الجائزة لفرع الدراسات الإسلامية في إبراز العقول المفكرة وتسليط الضوء على الإنجازات العلمية للباحثين والحث على مضاعفة جهود البحث بما يعود بالنفع على الإسلام والمسلمين حول العالم، حيث حددت الجائزة على مر أربعين عاماً العديد من الموضوعات الدينية والدنيوية، ومنها: (تفسير وعلوم القرآن الكريم والحديث النبوي والسيرة النبوية والفقه والشريعة وكذلك التاريخ الإسلامي والتراث الحضاري والجغرافي بالإضافة إلى مواضيع علم الاجتماع والفكر السياسي والاقتصادي وحقوق الإنسان ومكانة المرأة في الإسلام).

كرمت الجائزة من خلال فرع اللغة العربية والأدب، الإنجازات المحققة في المواضيع التي حددتها الجائزة، والتي كان من أبرزها مواضيع حول السيرة الذاتية وتعريب العلوم وعلوم النحو والمصطلحات في اللغة وكذلك الشعر والنثر والرواية والقصة القصيرة، بالإضافة إلى مواضيع المعالجة الحاسوبية للغة العربية والبلاغة العربية والأدب الحديث والقديم والمسرحية في الأدب العربي وأدب الطفل.

وقد ساهمت الجهود العلمية والبحثية في مواضيع فرع اللغة العربية والأدب في تعزيز قيمة اللغة وإثراء الفكر الأدبي، حيث قدم الفائزون مجموعة أعمال استحقت التقدير والإشادة ومنها مجموعة الدراسات التي تناولت الشعر العربي المعاصر وفنون النثر العربي القديم والأدب العربي في الأندلس، ودراسات المقارنة بين الأدب العربي والآداب الأخرى، واللغة العربية في الدراسات اللغوية الحديثة، والدراسات التي عنيت بالفكر النحوي عند العرب، وتأليف المعاجم العربية وتعريب العلوم والتقنيات وغيرها من الجهود التي أثرت لغة الضاد وآدابها.

ومن أبرز الاكتشافات والدراسات والأبحاث التي أفادت البشرية وكرمتها جائزة الملك فيصل في فرع الطب الدراسات المتعلقة بآليات الخلل في الحمض النووي وسبل إصلاحه بالخلايا بهدف تطوير علاجات فعالة للسرطان الوراثي والمكتسب، وأمراض النقص المناعي، والعقم، والشيخوخة المبكرة، وطريقة التلقيح خارج الرحم، واكتشاف الفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) من النوع 1 (HIV-1) والنوع 2 (HIV2) والبحوث الرائدة في مجال أحياء الخلايا الجذعية، والبحوث المتميزة في صحة ورعاية الطفل الأولية، وتطوير لقاحات لأنواع مختلفة من فيروس التهاب الوبائي الكبدي وابتكار طرق غير جراحية لعلاج بعض الحالات الحادة من تضخم الحاجز القلبي الذي يؤدي إلى إعاقة ضخ الدم عبر الشرايين.

وجاءت موضوعات فرع العلوم على مدى أربعين عاماً متسلسلة بشكل دوري ما بين الفيزياء والرياضيات والكيمياء وعلوم الحياة، ومن أبرز الأبحاث والإنجازات العلمية التي فازت في هذه الموضوعات وساهمت في دفع عجلة التطور العلمي، تطوير الآت ميكانيكية تعمل بتقنية النانو، واكتشاف العوامل الجزيئية لإصلاح الحمض النووي، ودراسات وأبحاث في حقل إطارات المعادن العضوية، وبرهانه لنظرية فيرما الأخيرة “Fermat’s Last Theorem” التي تُعدّ من أشهر المسائل الرياضية التي أعيت علماء الرياضيات وعجزوا عن حلها لأكثر من 350 عاماً، بالإضافة إلى أبحاث تصوير حركة الإلكترونات داخل الذرات والجزيئات من خلال تشعيع ضوء الليزر في حدود الاتوثانية والتي يمكن استخدامها لقياس أي ظاهرة تحدث خلال سرعات زمنية مذهلة، وقد وسمت مجلتا نايتشر “Nature” و ساينس “Science” هذه الإنجازات بأنها ضمن أعظم عشرة إنجازات تم تحقيقها في فروع العلوم.

وقد بلغ عدد الفائزين الذين حصدوا جائزة نوبل بعد نيلهم لجائزة الملك فيصل 18 باحثاً وعالماً. كما حصد الفائزون بجائزة الملك فيصل جوائز عالمية مرموقة شملت جوائز مؤسسة غيردنر، وجائزة البرت لاسكر للأبحاث الطبية الأساسية، والميدالية الملكية البريطانية، ميدالية فيلدز في الرياضيات، وجائزة مؤسسة ويلش في الكيمياء، وجائزة فرونتيرز أوف نوليدج في الطب الحيوي، وجائزة وميدالية ديراك في الفيزياء.