وجود نسبة فقر يعني وجود خلل ما في مكانِ ما إذا كانت الأرض التي تحتضنهم ملأى بالخيرات التي لا يُحصيها إلا الله ، الخلل قد يكون اجتماعي أو إداري أو كليهما معاً والمصيبة عندئذِ عظيمة ، في أي مجتمعِ متحضر تجد تلك النسبة من السُكان تنتقل مع مرور الزمن من خانة الفقر إلى خانة الطبقة المتوسطة ولو فتشنا عن السبب لوجدنا أن عملية الإنتقال مرت بمراحل أهمها تحسين مستوى التعليم وزيادة فرص العمل وتقديم دعمِ مالي يغنيها عن ذُل السؤال ، مستوى التعليم والبطالة ضدانِ لا يجتمعان وغالبية الفقراء وذوي الدخل المحدود الذي لا يكفي الحاجة وهم كُثر يجمعهم مستوى تعليم مُنخفض وبطالة يتوارثونها أباً عن جد ولكي يظهرون بمظهرِ مُشرف حملوا لقب “مُتسبب” ويالكثرة المُتسببين !

الطبقات الاجتماعية تدعم بعضها بعضاً فطبقة المترفين تدعم الطبقة المتوسطة والطبقة المتوسطة تدعم الطبقة الفقيرة ليتحقق التماسك المجتمعي لكن إذا عمقنا النظر في الواقع لوجدنا الطبقة المُترفه تنهب مقدرات الطبقة المتوسطة وتُعرج على الطبقة الفقيرة فتتهمها بأنها عالة على المجتمع فتستغل حاجاتها في مشاريع يُطلق عليها أسر منتجة وهذا ما يمكن تسميته بالمكياج الذي يخُفي أشياء لا تسر أحداً ، الطبقة المتوسطة تقف بالمنتصف لكن مع سطوة الطبقة المُترفه وتزايد نسبة العاطلين عن العمل بدأت تلك الطبقة بالإنكماش والتآكل رغم حساسية مكانتها ، مع وجود بطالة في صفوف أبناءها يوجد قضايا شائكة وهامة لا يمكن إغفالها كالمسكن والمرتب الذي لا يكفي الحاجة وغلاء المعيشة وتردي الخدمات الصحية والتعليمية ، اذا تحسن مستوى الطبقة الفقيرة فإن مستوى الطبقة المتوسطة سوف يتحسن فهناك علاقة وثيقة بين تلك الطبقتين اللتانِ تشتركانِ في ملفاتِ تنموية ومعيشية لا حلول لها في المدى القريب ، تحسين واقع الطبقة الفقيرة لا يتطلب حلولاً سحرية ولا خطاباتِ إعلامية ولا جولاتِ مكوكيه كل ما في الأمر هو إعادة صياغة المشهد التنموي ليستوعب تلك الفئة وتحقيق أعلى درجات الشفافية وفسح المجال أمام مؤسسات المجتمع المدني لتقوم بدورها وإعادة تقييم تجربة الجمعيات الخيرية بصفتها مؤسسة مجتمع مدني ووضع قوائمها المالية أمام الرأي العام ومحاسبة القائمين عليها إذا كان هناك خللاً ما ونزع القُدسية عنها وعمن يعمل بها وإعادة هيكلة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ومراجعة برامجها التي استحوذت على نصيب لا يُستهان به من الميزانية العامة للدولة ، أيضاً لا نغفل عن التعليم فكلما ارتفع مستوى تعليم الفرد كلما تحسن مستوى دخله فالطبقة الفقيرة والمتوسطة بحاجه لذلك المصل الذي سينقذها من براثن الفقر إلى الأبد ، هناك تجارب دولية ناجحة في محاربة الفقر ودعم الطبقة المتوسطة وهناك تجارب تنعدم فيها نسبة الفقر كتجربة الدول الاسكندنافية ولكل تجربة قواعد بُني عليها المشروع النهضوي الذي لم يترك صغيرةً ولا كبيرة إلا وجعلها تحت مجهر النقد والبحث والعمل الجماعي “المشاركة الشعبية” فلكي ننهض بفقراء الداخل ونُحقق التماسك المجتمعي وندعم صمود الطبقة المتوسطة علينا أولاً الاعتراف بوجود مشكلة ومن ثم الأخذ بتجارب الآخرين الناجحة وما أكثرها من تجارب نقلت البلاد والعباد من خانةِ إلى أخرى وحققت للفرد السعادة وحفزته للإنتاج و هنا تتجلى المواطنة في صورتها الحقيقة .