تخيل معي مزرعة مليئة بالنخيل يتهادى إلى سمعك صوت الساقي وصياح الديكة، حملق بعينيك في النخلة؛ عسيبها كأشعة الشمس حوضها كالقدر يجمع الثمار، وأغصانها محملة بكمية كبيرة من التمور (حَبًّا مُتَرَاكِبًا)، نواها كألسنة الطير أو كالعظم للبدن، وألوان التمور مختلفة أحمر كالياقوت وأخضر كالزمرد أصفر كالذهب (فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا)، (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ)، النخيل تجعلك تسترخي وتنعم بالسعادة.

النخلة سيدة الأشجار؛ وهي نافعة من سعفها إلى جذورها ومن أن تطلع إلى أن تيبس، ثمرها غذاء وسعفها ضياء وجذعها بناء فهي جمعت بين رسوخ الأصل وعلو الهامة، ومرآها البديع،  شبّهها النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤمن وضرب الله بها مثلا بكلمة التوحيد وهي من شجر الجنة، ثمارها تقي من السم والسحر، وهي نعم سحور المؤمن وفطوره، مصدر دخل للبلد قال الله عنها: رزق، فالخير في النخيل (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ)،

تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ماصنع المليك.

دعونا نحافظ على البيئة؛ لنكثر من غرس النخيل يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ)رواه البخاري وقال: (اخْرُجِى فَجُدِّى نَخْلَكِ لَعَلَّكِ أَنْ تَصَدَّقِى مِنْهُ أَوْ تَفْعَلِى خَيْرًا)صححه الألباني، وغرس اللينة أجرها مستمر في قبرك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (سَبْع يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: …أَوْ غَرَسَ نَخْلًا)حسنه الألباني، ينتفع من ظلها وثمرها وأكسجينها.

تجول في سوق التمور؛ لتتعرف من خلالها على أنواع التمور وأسمائها وفي المتاحف؛ لترى أشكال وألوان صنعت من منتجات النخيل والآن صنع فحم من جريد النخل في محافظة الزلفي، رأيت على اليوتيوب مصنع أخشاب النخيل ولازال هناك أطنان من ألواح النخيل مهدرة لم يستفاد منها وهناك من حولها إلى سماد عضوي وإلى علف للدواب وكذلك الحشف والعجم طعام للدواب ومنهم من استفاد من ليف النخل في المكيفات الصحراوية (قش) وعروق النخلة لإصلاح الجص، ورأيت مسحوق النوى يحمس ويطبخ كالقهوة، وحتى يتم الاستفادة القصوى من التمور حولت إلى عدة منتجات؛ بودرة التمر بديل عن (السكر)، عصير التمر، حليب بالتمر، وفي سيريلاك الأطفال، دبس، معجنات وحلويات من التمر وعدد من أطباق الوجبات المعروفة، المهم أن لايهمل شيء من النخلة.

يامن تخلل حب النخيل قلبه أدى زكاتها (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ).

(يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لاَ تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ)صحيح مسلم، والتمر مبارك كما في قوله صلى الله عليه وسلم (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة)حسنه ابن حجر، دعونا نلتهم عجوة المدينة وسكري القصيم وخلاص الأحساء وصفري بيشة، نعود الأسرة على سبع تمرات على الريق في الصباح؛ في الحديث (لَمْ يَضُرَّهُ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ)، وخير ما نتصبح به عجوة عالية المدينة قال صلى الله عليه وسلم : (إن في العجوة العالية شفاء أو إنها ترياق أول البكرة)صحيح مسلم.

حبوب لقاح النخيل مفيدة في علاج العقم.

خير ما تأكل المرأة في نفاسها الرطب: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا )، فثمار النخيل صيدلية تحتوي على قيمة غذائية عالية وعلى عدة عناصر يحتاجها البدن.

( تجيك أم السعف والليف) عبارة يتداولها طائفة من الناس لتخويف أطفالها؛ لنتخلى عنها، جعلنا النخلة الشيء المحبب مصدر رعب!!؟.

وضع الجريد على القبر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لأن عذاب القبر غيب اطلعه الله عليه: (مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا فَقَالَ لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا)صحيح البخاري.

بيسان أكثر أهلها الآن يهود، قريبة من القدس؛ من علامات الساعة لا يثمر نخلها جاء في حديث الجساسة (أَخْبِرُونِى عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ قُلْنَا عَنْ أَىِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ قَالَ أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ قُلْنَا لَهُ نَعَمْ. قَالَ أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لاَ تُثْمِرَ)صحيح مسلم.

نشهد أن لأبي الدحداح نخل في الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: (كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ – أَوْ مُدَلًّى – فِى الْجَنَّةِ لاِبْنِ الدَّحْدَاحِ)صحيح مسلم، قال الله عزوجل (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) وإذا أردت أن يغرس لك نخل في الجنة؛ فأكثر من قول (سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ) جاء في الحديث (غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ) صححه الألباني.

 

بعض الناس يتلف ويفسد كل جميل فهو كالسوسة والسرو والعنقر؛ فالسوسة تفسد جذع النخلة والعنقر دودة تتلف جذور النخلة والسرو يتلف التمرة، كافحها المزارعون بشتى الوسائل ومن يعمل عمل السوسة سيكافح كما قيل: ( من غربل الناس نخلوه).

مقترح للمزارعين: تربية البط وعموم الدواجن في المزرعة حتى تأكل الحشائش أسفل النخل وتأكل سوسة النخيل.

النخيل بعضها يظلل بعض..! ما أجمل أن يعيش في ظلك وتحت رعايتك ما استطعت من البشر.

تعرف النخلة من ثمرها؛ والإنسان من حديثه.

نخيل اليوم هي بذور الأمس؛ فالكلمة تلقيها الآن تثمر بعد حين؛ اسمع محاضرة كلمات في أذني للمنجد .

بعضهم في جد وعمل وإصرار حتى آخر نفس؛ كالنخلة تموت واقفة (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).

ضربت أمثال عدة في النخلة وثمارها منها:

(تمر وانسماح أمر)، (كليتم تمري وعصيتم أمري)، (أكلني تمرة وذبني نوة)، ( التمر ما يخلى من الحشف)، ( التمرة ما يخربها إلا سروها)، (حشفا وسوء كيل)، ( كل خاطب على لسانه تمرة)، (لاهو فوق عذوق ولا هو تحت عروق)، ( مثل المترجي من الفحال تمر)، ( إذا جاء وقت الخريف كثروا المعاريف)، ( بغى تمرة رصنوه بجذعها)، (مثل النخلة العوجا لايسقط تمرها في حوضها)، ( بسرة خضري تنشب في الحلق)، (سوسة).

النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَلَا يَتَحَاتُّ)صحيح البخاري،فمن أوجه الشبه بين المؤمن والنخلة:

·       أنها شجرة طيبة (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) والمؤمن طيب في أقواله وأفعاله (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ)، (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ)، ويوم القيامة يقال لهم (طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ).

·       الثبات (أَصْلُهَا ثَابِتٌ) وهكذا المؤمن فإنه ثابت على إيمانه ثابت على الحق مهما هبت رياح الفتن والشبهات؛ بيقينه وصلته بربه وتمسكه بدينه، استطاع رأس المنافقين أن يرجع بثلثي الجيش كانوا مع من؟! كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لذلك اسأل الله دوماً الثبات اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وكن من أهل القرآن (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ). وكلما ثبتَّ على الإيمان ارتفع شأنك (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ).

·       (وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) المؤمن عالي الهمة مستعلي على الباطل والمعاصي وسفاسف الأمور (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وأَشْرَافَهَا ، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا)صححه الألباني.

·       (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ) والمؤمن عمله الصالح ديمه.

·       النخل ليس على رتبة واحدة بل بينها تفاضل وتمايز وتمرها ليس على مستوى واحد بل بينه تفاوت في الحسن والجودة والطعم والشكل (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ)، (يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) وأهل الإيمان بينهم تفاوت في الفضل والخير (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ).

·       حب النخلة للنبي صلى الله عليه وسلم وشوقها إليه؛ النبي كان إذا خطب استند إلى جذع نخلة فلما تركه سمع صوت أنين الجذع؛ على فراق ما كانت تسمع من الذكر، وهكذا المؤمن يشتاق للنبي صلى الله عليه وسلم (مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِى لِى حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِى يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِى بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ)صحيح مسلم.

·       النخلة مباركة والمؤمن كذلك (إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ)صحيح البخاري.

·       النخلة كلما طال عمرها طاب ثمرها والمؤمن كلما طال عمره حسن عمله (لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ لِتَسْبِيحِهِ وَتَكْبِيرِهِ وَتَهْلِيلِهِ)حسنه الألباني.

·       قلب النخلة (الجمار) أبيض حلو وهكذا قلب المؤمن (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

·       حلاوة طعم ثمرها والمؤمن يجد تلك الحلاوة (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ)صحيح البخاري ، (ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً)صحيح مسلم.

·       أهمية البيئة: ابحث عن البيئة التي يكون عطاؤك ونفعك فيها أكثر، هناك أرض لا تنبت فيها النخلة مطلقاً وأرض تنبت ولا تثمر وأرض تثمر ثمراً رديئاً، المؤمن يحتاج إلى بيئة صالحة يعبد الله فيها لذلك شرعت الهجرة في سبيل الله (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا).

·       قابل الإساءة بالإحسان، تعامل مع الخصوم برفق ولا تنخلهم نخلاً؛ (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ)، (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ). كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاً //  بالطوب يرمى فيرمي أطيب الثمر.

·       (لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا) والمؤمن لاتسقط له دعوة (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ ، وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ ، إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ، قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ)صححه ابن باز.

·       الشوكة التي في جريد النخلة تحمي النخلة من الفئران أثناء إثمارها، وصف بعض أهل العلم من الذين لهم بلاء في الرد على المبطلين أنهم شوكة في حلوق الأعداء.

اللهم كما أطعمتنا من ثمرها في الدنيا أطعمنا من ثمرها في الجنة من غير حساب ولا سابق عذاب