خرج محمد أبو عمرو، الرسام صاحب الـ25 عامًا من داره متوجهًا إلى شاطئ بحر غزة الذي اعتاد دومًا الذهاب إليه حتى حفظت الرمال وقع أنامله عليها.

استقبل الشاطئ محمد هذه المرة استقبالًا مختلفًا؛ فكانت الرمال تطيع أنامله؛ مشكلًا منها أحرفًا لطالما حلم بتحقيقها في الواقع، وكانت الأحرف تُكوِّن كلمتين هما آخر ما دونه الشاب العشريني على الشاطئ الذي لطالما ألفه: ” أنا راجع ” .

هرول محمد بعدها ليلحق برفاقه منضمًا إلى مسيرة العودة الكبرى، التي تحركت إلى الحدود الشرقية للقطاع، وفي يديه علِقت بقايا تراب الأرض التي تسكن قلبه، وبين عينيه حلم العودة ورجوع الحق المسلوب منذ عشرات الأعوام.

ساعد محمد صَحبه في نصب الخيام وكتابة اللافتات ورفع الأعلام التي سيستمر رفعها إلى 15 مايو ذكرى النكبة وضياع الأرض أو إلى حين إشعار آخر، مصممًا هذه المرة ألا يعود إلى بيته إلا منتصرًا أو شهيدًا.

كما اعتادت أصابع محمد المطالبة بحقه في العودة على طريقته الخاصة، نادى صوته ذلك الصباح به وارتفعت هامته شامخةً شموخ الأعزاء، رافضي الخنوع والاستسلام، وفي يديه علم بلاده يتمايل مع هواء يعشق ألوانه وحده.

وأثناء الهتاف وارتفاع الأصوات بحلمها، تمكنت قناصة المحتل الغاشم من قنص محمد أبو عمرو، ومنع أنامله من نحت ما يقض مضجعهم ويؤرق نومهم ويرعب قلوبهم، ولكنهم لا يعلموا أن هناك عشرات الآلاف بل ربما الملايين من أمثال ” محمد ” ليس أمامهم خيار سوى النضال والمقاومة، والعيش بكرامة أو الموت بشرف.