في عام 2001، استيقظ الطفل تشادي الأصل سعودي النشأة، محمد الجوراني صاحب الـ14 عامًا كعادته كل يوم، حاملًا الماء والسِبَح بين يديه وخرج يبحث عن رزقه؛ متجولًا بين شوارع وأزقة المدينة المنورة مناديًا على بضاعته وفي قلبه رجاء ودعاء لله أن يرزقه بما يدخل السرور على أسرته ويساعده في سد حاجتهم.

كثيرًا ما حلم محمد أن يغادر البلاد ويكون مثل ابن عمه الذي رحل إلى باكستان طالبًا العلم والرزق، وأصبحت تلك الفكرة متمكنة منه تقض مضجعه رافضةً إلا أن يستجيب لها وينفذها؛ حيث رأى أنها السبيل الوحيد للخلاص وتحسين مستوى عائلته المادي.

وذات يوم عاد الطفل محمد إلى بيته حاملًا ما تبقى معه من مياه وسبح، مقررًا اللحاق بابن عمه والسفر إلى المجهول الذي لا يدري عنه شيء. واختار مجال الكمبيوتر لكي يدرسه ويكون مجال عمله؛ فربما ساعده ذلك المجال، ذلك الوقت، في جلب ثروات وفيرة تضمن لأسرته حياة أفضل.

وصل محمد إلى باكستان وحلمه يسعى بين عينيه، ولكن القدر كان يخبئ للطفل الحالم ما لا يعلمه؛ فانقلب حال البلاد وعمّ الخراب حين وقعت أحداث 11 سبتمبر وأصبح المسلمين حينها في موضع شك من العالم، كما تعرضوا للاضطهاد.

ولسوء حظه، قبضت المخابرات الباكستانية على محمد الجوراني بتهمة الانضمام إلى تنظيم القاعدة، وأرسلته إلى سجن قندهار الذي عانى به الويلات، ثم سلّمته السلطات إلى أمريكا التي أودعته في غياهب جوانتنامو؛ فتشارك الجميع على اغتيال حلمه في المهد وخنق روحه الحرة ووأدها.

ذاق ” الجوراني ” ألوان العذاب والإهانة والإذلال في معتقل جوانتنامو الشهير؛ الأمر الذي أثر في الرسامان جيروم توبيانا وألكسندر فرانك، اللذان رسما قصة مصورة عن معاناته في ظلمات جوانتنامو؛ حيث كان يتم تغيير الزنزانة التي يلقى بها كل ساعة، ولم يكتفِ السجانون بدرجة الحرارة المنخفضة والصقيع؛ بل كانون يخفضون مكيفات الهواء، وغيرها من أساليب التعذيب وقتل الإنسانية في الروح البشرية.

وتحول حلم الجوراني من الرحيل إلى العودة، ومن الخلاص من الفقر إلى الفرار من ذل القيد، وتأكد له أنه: ” إن كان لا بُدَّ من حُلُم، فليكُنْ مثلنا.. وبسيطًا.. وأمّا الرحيل، فليس سوى شغف مرهفٍ بالوصول إلى حُلُمٍ قُدَّ من حجر! ”