في حياتنا أوقات عثرات، تنكشف بها الروح المقاومة عن الأخرى المنهزمة، التي سرعان ما تخضع لاضطراباتها وتقع في أسرها وتتوقف عن القيام برسالتها في الحياة، وتنتظر الموت كما لو كان كل شيء انتهى بالفعل متناسية دورها ومهمتما.

ولكن ريم بنا، الفنانة الفلسطينية المناضلة، التي حاربت السرطان تسعة أعوام بكل ما في نفسها من حياة، أكدت في كل وقت لكل من حولها أن: ” على هذه الأرض ما يستحق الحياة ” ، عليها أبنائها الثلاثة وعائلتها وأرضها وبلدتها ” الناصرة ” وذكريات الطفولة، وأصدقاء دراستها، وشمس فلسطين، الذين يستحقون أن تصارع المرض وتحتمل من أجلهم.

على هذه الأرض الغناء الذي ما عشقت غيره؛ فهو سلاحها الأول والأخير الذي قاومت به احتلال بلادها، واحتلال جسدها؛ فعندما قال لها الأطباء، منذ عامين، أنها لا تستطيع الغناء مجددًا بسبب إصابة أوتارها الصوتية؛ خارت قواها وبدأ جسدها الضعيف بفعل الأدوية والعلاج الكيماوي والسرطان، ولكن روحها الأبية المقاومة رفضت أن تستسلم لذلك وعادت من جديد تناضل مستذكرة الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني وهو يقول: ” لك شيء في هذا العالم فقم ” .

تمثلت مقولة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش: ” ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلًا ” في شخص الفنانة الفلسطينية الراحلة ريم بنا التي أثبتت في كل لحظة من حياتها أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة رغم احتلال المرض والعدو، ورغم كل المحاولات لإسكات صوتها وحبسها خلف جدران المرض.

ارتفع صوت ريم بنا المقاوم بكلمات الشاعر سميح القاسم راويًا مآسي الشعب الفلسطيني في أغنيتها ” احكي للعالم ” ، وشكى صوتها الغربة في ” يا جمّال ” ، كما علا صوتها بالأغاني الصوفية ” أحبك حبين ” و ” قلبي يحدثني بأنك متلفي ” ، و ” زدني بفرط الحب فيك تحيّرا ” وغيرها العديد من الأعمال التي ستظل خالدة تقول أن ” ريم ” كانت هنا يومًا ما.

ومن الجدير بالذكر، أن ريم بنا التي رحلت عن عالمنا، اليوم السبت، ولدت في 6 ديسمبر 1966، بمدينة الناصرة عاصمة الجليل، وهي ابنة الشاعرة الفلسطينية ” زهيرة صباغ ” التي ودعتها ابنتها اليوم قائلةً: ” رحلت غزالتي البيضاء.. خلعت عنها ثوب السقام ورحلت.. لكنها تركت لنا ابتسامتها، تضيء وجهها الجميل، تبدد حلكة الفراق. ”