عرف القضاء لغة بأنه : الحكم . والقاضي لغة هو: القاطع للأمور والحكم لها . بينما تتعدد تعريفات القضاء اصطلاحا ولعل اشملها قول الحنابلة بأن القضاء هو( فصل الخصومات وقطع المنازعات على وجهه الخصوص ويصدر عن الولاية العامة) ولما للقضاء العادل المستقل من أهمية بالغة في إرساء الامن الاجتماعي والنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي لأي مجتمع ..

ف بالقضاء العادل ينتصر المظلوم ويرتدع الظالم وتقطع الخصومات وتؤدى الحقوق لأصحابها وينال المذنب عقوبته

يقول الامام علي رضي الله عنه العدل حياة  وقال ابن خلدون العدل أساس الملك ويقول الثعالبي رحمه الله( بالراي تصلح الرعية وبالعدل تملك البرية) ومن اشهر ما قيل في العدل من غير المسلمين قول احد رؤساء بريطانيا( حين علمت بأن القضاء بخير أدركت ان بريطانيا بألف خير )……. وقد اولت المملكة منذو عهد المؤسس القضاء اهتماماً خاص باعتباره احد السلطات الثلاثة الرئيسية ولإدراكها الأهمية القضاء العادل في تحقيق الامن والسلم الاجتماعي وقد شهد القضاء تطور على مراحل حتى وصل لما هو عليه اليوم ومع اننا قطعاً شوطاً مهم الا انا لازلنا متأخرين مقارنة ببعض الدول المجاورة خاصة في مجال القضاء المتخصص حيث لازال الجدل والنقاش حول من يتولى القضاء مستمر خلافات تجاوزتها جميع المجتمعات الأخرى حتى  بلغ بها الامر ان تستعين بقضاة من خارج حدودها لتفعيل محاكمها المتخصصة وهذا لا يعيبها بشيء…صحيح ان المملكة اخذت بمبدأ التخصص القضائي كما نص عليه نظام القضاء الصادر قبل عشرة سنوات حيث نص على انشاء (المحاكم التجارية والعمالية والمرورية …الخ) وقد مضى عقد من الزمن على صدور النظام ولم ترى هذه المحاكم النور باستثناء المحكمة التجارية والتي هي فعليا كانت قائمة وتعمل تحت مظلة ديوان المظالم وتم سلخها مطلع العام الحالي وضمها لوزارة العدل

لا يخفى ما شهدته المملكة خلال السنوات القلية الماضية من تطور متسارع في كثير من انظمتها سواء كان تحديثا لها او حتى اعداد وإصدار لأنظمة اقتضتها المصلحة العامة .ومع ان النظام الأساسي للحكم في مادته السابعة جعل الشريعة الإسلامية مصدر التشريع وهو امرا لا خلاف عليه فلشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان وتسع لحل كل المسائل المستجدة ومن القواعد الأساسية لإصدار أي نظام في المملكة ان لا تتعارض نصوصه مع الشريعة الإسلامية …وكما هو معلوم بان جميع الأنظمة قبل صدورها تدرس في مجلس الشورى الذي يعمل به أعضاء من كافة التخصصات وفيهم نخبة من الفقها المتخصصين في علوم الفقة والشريعة..

وليس سرا اليوم بان من ابرز الأسباب التي أدت الي للتأخر في انشاء المحاكم المتخصصة هو قلة عدد القضاة المتخصصين في هذه المحاكم نتيجة لنظرة الاقصائية لخريجي اقسام القانون(الأنظمة) والحقوق من قبل لمعنيين بأمر القضاء كونهم يرون فيهم غير اكفاء وغير مؤهلين لهذه المهمة ومتذرعين بما نصت عليه المادة(31/د) من نظام القضاء مع ان هذه المادة لم تقصر القضاء صراحة على خريجي الشريعة والقول بان المقصود بها خريجي الشريعة فقط قول قاصر وغير دقيق… وتحييد خريج القانون والحقوق عن القضاء نتيجة لترسبات والنظرة الخاطئة عن دراس القانون لدى البعض في السابق والتي وصلت بالبعض حد ان يرى ان دراسة القانون (محرم) وان لم يبلغ بهم الامر حد التكفير .. وغني عن القول ان المعترضين على تولي القانوني للقضاء لا يخرجون عن احدى ثلاثة فئات

الأولى : فئة ترى ان القانون ودراسة والعمل به مكروه الي حد التحريم  وغير مقبول انطلاقا من مفهوم خاطئ لديها مفاده بأن ذلك عبارة عن حكم بغير ما نزل الله وفيه تبديل الاحكام الشريعة وهذا اعتقاد خاطئ  تكذبه الحقيقة  ويدحضه الواقع اذا لا يعلم عن وجود قانون او نظام في المملكة استبدل مكان نص من الكتاب او السنة او اعطل ايً من احكامهما وجميع الأنظمة مشروط إقرارها بان لا تخالف الكتاب والسنة وان تكون هناك مصلحة عامه منها وهي تنظيم حياة الناس العامة والخاصة ورعاية مصالحهم.. ومع انها هذه الفئة مجتهدة برايها الا انها  لا تعذر بجهلها حيث بإمكانها معرفة الحقيقة من مصادرها.

الثانية: فئة ترى ان دخول خريجي القانون والحقوق مجال القضاء فيه خطر على مستقبلها وفيه منافسة لها في مجال ترى من وجهة نظرها انه يجب ان يكون  حكرًا عليها وان لا يسمح لهذا الجسم الغريب التسلل لهذه المهنه0

الثالثة: فئة تعارض من اجل المعارضة فقط وتسجيل المواقف على كل ما هو جديد انطلاقا من قاعدة انا موجود ولأهدف لها والمصلحة

والعامل المشترك بين الفئات الثلاثة بأن ليس لديهم مشروع بديل يمكن من خلاله حل ازمة القضاء وتفعيل المحاكم المتخصصة

والمتابع الموضوع القضاء والخلاف الشرعي القانوني حول من يتولى القضاء يتبين له ثلاثة حقائق

الحقيقة الأولى : ان خريجي اقسام القانون والحقوق هم من أبناء لمجتمع السعودي المحافظ الذي نشاء وتربى على التعاليم الإسلامية الصحيحة ابتداء من المنزل والمسجد والمجتمع مرورا بمراحل التعليم العام الذي تعد دراسة المواد الشرعية فية أساسية والزاميه وتشمل كافة التخصصات من (القران والتوحيد والفقه والتفسير والحديث…الخ) إضافة الي ان كليات القانون والحقوق تدرس لمواد الشرعية الأساسية كمتطلبات في الخطة الدراسية مثل ( الفقه والمواريث والوصايا والوقف  والملكية ونظام الاسرة والمعاملات  المالية والاقتصاد الإسلامي والاحوال الشخصية..) وبالتالي فان مجموع ما يدرس للطالب في مرحلة التعليم العام والمرحلة الجامعية من مواد شرعية  يعادل ما تدرسه كليات الشرعية في بعض البلدان لأخرى. وعليه فان التأهيل الشرعي لخريج القانون متوفر إضافة للتوفر شروط القضاء المتفق عليها وهي ( البلوغ – الإسلام – العقل – الحرية – العدالة – الاجتهاد – الذكورة – سلام الحواس )

الحقيقة الثانية : ان خريجي القانون والحقوق هم في الواقع الفعلي العملي (قضاة) يمارسون القضاء في المملكة من عشرات السنين وخاصة في الهيئات واللجان شبه القضائية والتي يقارب عددها المئة وان تغيرت المسميات بل ان رؤساء هذه الهيئات والتي يعادل رئيس محكمة هم من خريجي القانون وقد اثبت خريجي القانون (الأنظمة) كفاءتهم بالعمل القضائي وذألك بشهادة الجميع وابسط مثال على ذألك كثرة عدد الاحكام الصادرة عن هذه الهيئات وجودتها والتي تجاوز عمر بعضها الاربعون عاماً0

الحقيقة الثالثة: جميع المحاكم المتخصصة (العمالية والتجارية والمرورية. الخ) هي محاكم تطبيق في احكامها أنظمة وقوانين صادرة عن مجلس الوزراء ومتوجة بموافقة ولي الامر وبالتالي فأن خريج القانون هو الأكثر قدرة على فهم النصوص النظامية وتطبيقها ..

ويحسب لأعضاء مجلس الشورى لمبادرة بطرح التوصية لتعديل المادة (31/د) من نظام القضاء وهي التوصية التي حظيت بموافقة (90%) من الأعضاء على ملائمة دراستها لتعديلها بحيث يضاف لنص المادة جملة ( ….او ان يكون حاصلاً على شهادة جامعية في تخصص الأنظمة او القانون او الحقوق ……بشرط ان يجتاز برنامجا تأهيلياً لمدة سنتين……….الخ) وهي خطوة غاية في الأهمية.

اذ لا يعقل بان دولة بحجم ومكانة المملكة وواحدة من اكبر واقوى الاقتصادات في العالم واحد اهم مصادر الطاقة وتستضيف على أراضيها ما يزيد على تسعة ملايين عامل اجنبي من كافة الدول وفي ضل ما تشهده من تطور في شتى المجالات ومع ذألك لا توجد بها محاكم عمالية فعلية وفقا لما نص عليه نظام القضاء رغم مرور عشرة أعوام على صدور النظام وتخصيص سبعة مليارات لدعم وتطوير للقضاء

ولكون الهيئات العمالية تقوم حالياً بعمل المحكمة والتي يتجاوز عدد أعضائها مئتي عضو فأنه من الملائم ان تكون المحاكم العمالية باكورة انشاء المحاكم المتخصصة المنصوص عليها في النظام وهو امراً ليس مستحيلاً متى استطعنا تنحية الخلاف الشرعي القانوني جانباً وقررنا الاستفادة من كوادر وخبرات الأعضاء العاملين بهذه الهيئات وتحويلهم الي قضاة في المحاكم الوليدة حتى لو كان ذألك استثناءً ريثما يتم تعيين العدد الكافي من القضاة المتخصصين للعمل بهذه المحاكم وهو الامر الذي أراى انه يحتاج الي توجيه ودعم مباشر من عراب الإصلاح والتنمية بالمملكة سمو ولي لعهد الامير محمد بن سلمان حفظة الله حيث ان ترك الموضوع اختيارياً للجهات المعنية لم يحقق الغاية المنشودة طوال الفترة الماضية