في القرن الثامن عشر, في حقبة التحولات الاجتماعية التي مرت بها إنجلترا, من وراء الحرب الأهلية الدامية، إضافة للمرحلة الانتقالية التي يتعرض لها المجتمع ذاته بسبب الثورة الصناعية التي أدت لإحلال الآلات محل الأيدي العاملة.

لقد جن جنون الرأسمالية آنذاك, حين اتسع أمامها العالم بموارده وأسواقه, وصارت الدول تتنافس تنافسا محموما للسيطرة على الموارد والأسواق, وتدفعها نحو ذلك طبقة الرأسماليين دفعا حثيثا, رغبة في الحصول على الموارد ومواد الخام وأسواق لتصريف السلع بعد تصنيعها.

نتج عن هذه التحولات نشوء طبقات جديدة, فرضت بدورها على المجتمع إعادة تشكيل طبقاته وترميم ما نتج من تمزقات في نسيج المجتمع, فقد وصلت انجلترا ذروة نشوتها الاقتصادية بسبب ما حققته تجارتها المتمددة وراء المحيطات, التي أهلتها لتكون أحد القوى الرأسمالية الصناعية في العالم.

أصبحت النفعية المادية هي الأيديولوجيا المهيمنة على فكر وسلوك الطبقة البرجوازية الوليدة, التي بدورها اختزلت العلاقات الإنسانية إلى علاقات السوق ومفاهيمه التبادلية, مؤديا بطبيعة الحال إلى استلاب الطبقة العاملة في المجتمع الإنجليزي.

ومع بروز العلم وتفرده بمجاله, والذي صاحبه انسحاب كل ما هو لاعلمي, استطاعت الاكتشافات العلمية تعرية الأساطير التقليدية لرجال الدين في أوروبا. مما أدى لإخفاق الخطاب الديني الذي كان يعول عليه كثيراً للاستحواذ على أفئدة الجماهير وألبابها.

انحلال الخطاب الأيديولوجي وفقدانه لمصداقيته, كان له أثره السلبي في زعزعة بناء المجتمع, أضف لها أن الطبقة البرجوازية بأيديولوجيتها النفعية لم تكون بديلا ناجحا يعول عليه في إعادة بناء النظام الاجتماعي المهدد بالتشرذم, لذلك تم طرح الأدب الإنجليزي لكي يحمل هذا العبء الأيديولوجي.

فلا عجب أن زاد الاهتمام بالأدب الإنجليزي من قِبل الطبقة الفكتورية الحاكمة. فالأدب الإنجليزي بما يحمله من مبادئ سامية لتعزيز التعاطف وشعور الرحمة بين الطبقات فضلا عن كونه دافعاً إلى الافتخار بلغتهم القومية وأدبهم القومي, كان هو البديل الأنسب والعلاج الفعال ضد التعصب السياسي والتطرف الأيديولوجي, ولأنه يهتم بالقيم الإنسانية الشاملة المتوائمة مع هموم العمال المشتركة.

تزامنت حقبة الترسيخ الأكاديمي للأدب الإنجليزي في جامعات عريقة مثل كامبردج وأكسفورد مع حقبة التطلعات الإمبريالية, فالتنافس بين الأمم العظمى للإستيلاء على المناطق خلف البحار كان يتطلب وجود رسالة وهوية قوميتين ومن هنا كان التركيز على دراسات الأدب الإنجليزي, مع الاهتمام بشعراء انجلترا الكبار مثل شكسبير وميلتون لتشكيل جماعة عضوية ينضوي تحتها أفراد المجتمع.

فلا يوجد أدب حاز بمثل هذا الاهتمام حتى صار شاعرا مثل شكسبير يحظى بمكانة تعادل مكانة الأنبياء والرسل حتى تفشت بقوة أساطير مثل (العبقرية الشعرية) فالأدب الإنجليزي يمثل مرجعية أيديولوجية لخدام الإمبريالية الإنجليزية لترسيخ الإحساس بالهوية القومية وحتى يتسنى لهم نشر هذه الهوية للشعوب تحت الاستعمار.

كان الأدب الإنجليزي ينبض بالتفاؤل والدعوة للجد والاجتهاد والنجاح المالي واحترام الوعود, وهذا الفضائل في جملتها هي الصفات التي تؤدي إلى النجاح في التجارة, إنها ببساطة صفات رجل الأعمال. إن أعمال أدباء مثل ديكنز أو جورج إليوت بقصد أو بدون قصد كانت تمجد هذه الصفات وتكفل لصاحبها في نهاية الرواية النجاح في المال والحب ذلك أن المجتمع  البرجوازي الناشئ هو المستهلك للإنتاج الأدبي, فكان الأدب الإنجليزي بحق مرآة وانعكاسا لقيم هذا المجتمع السائد ومفاهيمه.