إرتبط ظهور الجانب الانساني في الإدارة باصطدام نتائج الآلية و التفصيل المتناهي الدقة الذي أفرزه الوصف الدقيق للمهام – دون فتح المجال أمام إنسانية القائمين على إنجازها و العوامل المتحكمة في دافعيتهم- مع الطبيعة البشرية التي تتشابك في مكنوناتها مجموعة من الحاجات تستوجب التلبية.

حيث يسعى الأفراد من خلال انتماهئهم إلى منظمات الأعمال إلى تحقيقها. مستخدمين عنصر الأداء لترجمة العلاقة بين الحاجة التي تتطلب الإشباع و المقابل المنتظر و المتوقع منهم تقديمه كأعضاء تنظيم.

و لا زالت و لحد الان نظريات الإدارة على اختلاف وجهات نظر أصحابها تحاول الغوص في ما يوقظ الدوافع البشرية و يحثها على الإنجاز و يبقيها متقدة.

فالحديث يطول و يزداد تشويقا عند الخوض في التحفيز. كيف لا و هو العملة المربحة التي تفوق المضاربة فيها عوائد أي أسهم تعودت شاشات البورصات العالمية أن ترصد منها أرباحا قد تبدوا أرقامها خيالية ، بل من الصعب جدا تخيل تشكيل إداري قائده لا يضع التحفيز في أجندة واقع و مستقبل خطته المؤسساتية، يساق حتما في هذا السياق أمثلة الإدارة اليابانية و الغربية التي تفننت في وضع الحوافز من توظيف مدى الحياة ، إلى تدريب و تأهيل مناسبين لتوليد الثقة الذاتية للموظف، إلى تمكين يولد عضوية و انتماء عاليين، يحق لها بالاخير مع كل ذلك توقع أداء فريد و حصد ثمار جنتها من خلال تدوير ناجح لعملة التحفيز، قد يختلف الوضع إلى حد ما عند إمعان النظر في الأدارة العربية و تغييبها لعنصر التحفيز ليس لحداثة ظهوره عند العرب .و ديننا الحنيف كان الأسبق في التشديد عليه كخصلة حميدة تزين الحريصين على الحظي بمكارم الأخالق، بل لما أفرزته بعض الثقافات الدخيلة بطريقة طفيلية.

ففي الغالب ما يتبادر إلى أذهان البعض عند سماع كلمة تحفيز : الرواتب و المكافآت المادية. لكن الحقيقة بعد إمعان و تفحص بالغيين تظهر بجلاء أن التحفيز سلسلة تتخللها عدة عمليات تبدأ من أولا: وضع الشخص المناسب في المكان المناسب عرفانا بما يمتلكه من قدرات و ملكات ثانيا: يتوسطها افساح مجال الإبداع في تنفيذ المهام تجاوزا للمستوى العادي المعهود ثالثا : و ينتهي بعرفان و شكر و تقدير من الإدارة دون إغفال أثره البالغ في استحواذ قلوب الأفراد داخل التنظيم حيث تتحول أفئدتهم طواعية إلى مواطن ولاء و تفاني في العمل و إخالص في العطاء.

و بتوفر هذه العصارة الثلاثية التكوين يرقى أي تنظيم على وجه هذه البسيطة إلى سلم المجد الإداري و ترقى معه أهدافه و طموحاته، سيوافق حتما كل من يستدرج خياله للتفكير في روعة التحفيز و عوائده أن تغييبه جريمة في حق الإدارة الإنسانية ، فمتى ستعي إداراتنا العربية ذلك وإلى متى سيظل عملة نادرة مستبعدة من قائمة أولوياتنا.