الجهد البدني والنفسي الذي يصاحب الولادة، يظهر بشكل خاص في الأيام الأولى ما بعد الولادة، بالإضافة إلى تلك المشاعر التي تصاحب الولادة نفسها، فتشعر الأم بأن جسمها يتغير، وأن أفكارها تتغير، وأن حالتها المزاجية أيضاً تتغير تغيراً يظهر في صورة البكاء، والقلق، والانفعال المفرط وغيرها. هذه الظواهر تعرف باسم اكتئاب ما بعد الولادة (Postpartum depression).

وفي هذا الصدد، سعت مختصتان في مجال علم النفس السريري إلى فحص الأفكار الشائعة عن هذا المرض، الذي لا يلقى الاهتمام اللازم، رغم تهديده للأمهات، واحتمال تطوّره لمرض مزمن، لاسيما لدى السيدات الوحيدات.

1 اكتئاب ما بعد الولادة يصيب جميع الأمهات

هذه الفكرة صائبة وخاطئة في آنٍ. فما من امرأة في مأمن من الإصابة بهذا المرض، بحسب ساندرا فينغرهوت. ومع ذلك، تشير الخبيرة إلى أن ” بعض الأمهات تكون قابليتها لهذا النوع من الاكتئاب أعلى، حيث قد تمثل الولادة الصعبة أو المرور بحالة اكتئاب في الماضي أرضاً خصبة للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة ” .

فالظروف الشخصية السابقة قد تجعل الأم على استعداد للوقوع ضحية لهذا الاكتئاب، وهو ما أكدته جويل ديان بالقول إن ” هذا المرض غالباً ما يثير عند الأم الإحساس بالمشكلات المتعلقة ببنوتها هي في علاقتها بوالديها، التي تستيقظ بتحولها هي إلى أم ” .

2 صلة منقطعة بالرضيع

صحيح، إذ إن صورة الأم الفاشلة تحوم باستمرار حول هذا النوع من الاكتئاب. وفي هذا الإطار، أوضحت ساندرا فينغرهوت أن ” الصلة بين الأم المكتئبة والطفل تنشأ في وقت متأخر، مقارنة بما يحدث حالة الأمومة السعيدة تماماً. فاكتئاب ما بعد الولادة يتسبب في عدم تواصلك مع أي شخص، وذلك بسبب ميلك إلى العزلة”. بناء على ذلك، لا تصب الأم اهتمامها على مولودها، بل على المشكلة التي تمر بها، وهو ما يتسبب في خلق مسافة بينهما عاطفياً، وبالتالي غياب التواصل الحقيقي بين الأم وطفلها.

3 اكتئاب ما بعد الولادة ليس ” Baby blues ”

الخلط بين هذين المصطلحين يعد أمراً شائعاً للغاية، إلا أنهما مختلفان، باعتبار أن ” حالة ” بيبي بلوز ” تتمثل في شعور يستمر لبضعة أيام، حيث تشعر الأم بفقدانها لصلتها الخاصة مع طفلها لأنه لم يعد في بطنها، وبالتالي، يجتاحها الحزن. وهنا فالانخفاض الهرموني والإرهاق يزيدان المسألة تعقيداً”، تشرح جويل ديان. وفي كثير من الأحيان، تعود الأمور إلى نصابها بسرعة، على عكس اكتئاب ما بعد الولادة الذي يستمر، وهو “ما يجعله مرضاً حقيقياً يتطلب العلاج”، بحسب ساندرا فينغرهوت.

4 اكتئاب الأم يؤثر سلباً على الطفل.. وراثة مبكرة للمرض

هذه الفكرة صائبة، نظراً لأن التواصل الأولي بين الأم والطفل يعتبر أساسياً. ” وفي حالة اكتئاب ما بعد الولادة، لا يحدث هذا التواصل وما ينتج عنه من روابط بشكل جيد، ذلك أن الأم لا تكون حاضرة على الصعيد النفسي لطفلها الذي يستقبل وجهاً وجسداً تطغى عليهما السلبية ” ، كما تقول جويل ديان. وقد يؤدي ذلك إلى إصابة الطفل بالعديد من العلل حتى عندما يصبح بالغاً.

أما ساندرا فينغرهوت فحذّرت من أنه ” نتيجة لذلك، قد يواجه الطفل صعوبات على مستوى التعلق بالأشخاص، كما قد يصبح عرضة للإصابة بالاكتئاب ” .

5 مرض قابل للشفاء.. كل مؤقت يزول

هذه الفكرة صائبة، نظراً لأن اكتئاب ما بعد الولادة لا يستمر مدى الحياة لحسن الحظ. من جانبها، أكدت ساندرا فينغرهوت على أنه ” من المستحسن الذهاب إلى أخصائي العلاج النفسي، حيث سيمثل الموعد الأول مصدر ارتياح كبير للأم، لأنها ستدرك أنه لا مشكلة لديها، ولكنها أصيبت ببساطة بمرض قابل للعلاج ” .

ومما لا شك فيه أن الشفاء يعتمد على درجة شدة الاكتئاب، “ففي بعض الأحيان، يكون الأمر أكثر تعقيداً، باعتبار أن اكتئاب ما بعد الولادة يأتي ليكشف عن الكثير من الأمور المدفونة، مثل بعض الصفات الشخصية من عدم القدرة تحمل المسؤولية إلى الميول الاكتئابية.