” المراءة والعمل والاختلاط ” ، ثلاثي كان ولازال محل خلاف وجدل في المجتمع خلاف يتداخل فيه الجانب الديني مع العادات والتقاليد الاجتماعية مع الحاجة والضرورة.

فلم يكن يوماً ماء عمل المراءة في الأصل محرم وفقا لجميع الديانات السماوية بل أن جميع الشرائع السماوية الصحيحة كرمت المراءة؛ ووضعت لها مكانتها الخاصة كونها النصف الثاني من المجتمع.. فهي شقيقة الرجل وشريكته في الحياة وعمارة الأرض.

والعمل المشروع المباح حق لجميع أفراد المجتمع رجالاً ونساء على حد سوى دون تمييز أو تفرقة حسب كافة القوانين العالمية بل أن عمل المرأة قد يكون في بعض الأحيان ضرورة وحاجة للمجتمع.

وتكمن المشكلة الأولى في الموضوع عندما يكون ممارسة هذا الحق المشروع (العمل) سببا في الحرمان من حق مشروع اخر وهو (الزواج) حلم كل شاب وشابة خاصة لمن يعملن في بعض المهن مثل (الطبيبة- الممرضة – الصيدلانية الفنية… واخواتهن في التخصصات الأخرى..)، ليس لأن العمل بهذه المجالات محرم أو مخالف للعادات والتقاليد، ولكن بسبب نظرة المجتمع الظالمة، لم يعمل في هذه المهن من النساء كون طبيعة العمل تكون في جو مختلط بين الرجال والنساء كحال المستشفيات وخاصة في مجتمعنا السعودي المحافظ حتى أصبح أمر التأخر في الزواج لدى العاملات في القطاع الصحي بالمملكة؛ تكاد أن تكون ظاهرة للأسف.

وأشارت كثير من الاحصائيات إلي ارتفاع نسبة العنوسة بين العاملات بهذا المجال ناهيك عن حالات الطلاق وهو نتيجة طبيعية للنظرة الخاطئة، وعمل المراءة في مجال الطب والتمريض لم يكن وليد الحظة أو هذا العصر حتى فقد عملت المراءة بهذا المجال قبل ما يزيد على أربعة عشر قرناً وفي العصر الذهبي للإسلام عهد النبوة وعصر الصحابة، وقد كان شائعاً ومعروفا عملهن في تطبيب الجرحى والقيام على المرضى في جيوش المسلمين والأمثلة على من عملن بذلك كثيرة ومنهن على سبيل المثال لا الحصر.

وروى مسلم في صحيحة عن انس رضي الله عنه قال : كان الرسول علية الصلاة والسلام يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه فإذا غدا فيسقين الماء ويداوين الجرحى، وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: غزوت مع الرسول علية الصلاة والسلام سبع غزوات اخلفهم في رحالهم فاصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خرجت مع الرسول(ص) في غزوة أحد وكانت تغسل جراحاته، وعلي رضي الله عنه كان يسكب الماء .

كذلك أم أيمن حاضنة الرسول علية الصلاة والسلام، كانت تسقي الجرحى وتداويهم، أميمة بنت قيس الغفارية كانت في غزوة خيبر تداوي الجرحى وتعين المسلمين، أم زياد الاشجعية في غزوتي خيبر وحنين كانت تسقي وتداوي الجرحى، أم سلمة رضي الله عنها زوج الرسول(ص) في غزوتي خيبر وحنين كانت تسقي الماء وتداوي الجرحى، أم حبيبة الانصارية شاركت مع الرسول في عدة غزوات وكانت تداوي الجرحى وتعد الطعام وتقوم على رعاية المرضى، كعيبة بنت سعد الاسلمية (رفيده) كانت في غزوة بدر مع مجموعة من النساء يحملن الماء للمجاهدين وكانت تتنقل بين صفوفهم تشجعهم وتقدم لهم الماء والطعام وتداوي جراحهم وقد (أنشئت اول عيادة ) في المسجد النبوي وأقامت خيمه لاستقبال لمرضى، وكان يأوي اليه المرضى وكونت فريق عمل من الممرضات المتطوعات وقسمتهن لمجموعات لرعاية المرضى نهارًا وليلا.

ومن أبرز من عالجتهم الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه بتوجيه من الرسول؛ حيث قال اجعلوه في خيمة رفيدة وتعد خيمة كعيبة أول مستشفى ميداني في العهد الإسلامي. وتعد كعيبة أول ممرضة في الإسلام، ورقة بنت عبدالله بن الحارث أذن لها الرسول يوم خيبر للخروج معه للمداواة الجرحى والتمريض، الربيع بنت معوذ رضي الله عنها تطوعت بسقاية الجيش ومداواة الجرحى ونقل الشهداء للمدينة، ممنة بنت جحش رضي الله عنها تطوعت في معركة احد فكانت تسقي العطش وتداوي الجرحى.

كما ذكر عن نسبية بنت كعب المازنية (أم عمار) خرجت مع المسلمين في معركة احد وكانت تحمل الماء وأدوات الإسعاف، وقد قاتلت وداوت الجرحى في المعركة وقد قالت عنها الباحثة العالمية (المسز ماجنام) أن أم عمار كانت من النساء المسلمات اللاتي قمن في الحروب الإسلامية بالدور الذي تقوم به منظمات الصليب الأحمر في العصر الحاضر وقد اطلق اسمها على كلية التمريض في مدينة اربد الأردنية (كلية نسبية المازنية للتمريض)، وفي كتاب تاريخ الإسلام للذهبي :قال عروة بن الزبير : ما رئيت عالما في الطب مثل عائشة رضي الله عنها فقلت ياخاله من اين تعلمت الطب قلت: كنت اسمع الناس ينعت بعضهم بعضا فأحفظه.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يواجه هذه العمال التطوعية التي كانت تقوم بها النساء بالشكر والثناء كما أعطى المتفوقات منهن قلادة شرف وكانت الواحد منهن تعتز بهذه القلادة.

وهناك نساء كثر مارسن هذا الدور الإنساني كأم حكيم المخزومية وأم موسى بن نصير وأم كثير وصفية بنت عمر بن الخطاب في عهد الخلفاء الراشدين وفيما بعد في عهد الدولة الاموية والدولة العباسية والامثلة كثيرة، ويتبن من ذألك بأن الطب والتمريض مهنة شريفة ورسالة أخلاقية عظيمه سبقونا في العمل بها أمهات المؤمنين والصحابيات الجليلات اللاتي اشتركن في الغزوات ودور كل منهن، وانه لمن المعيب والمخجل ان تسمع من البعض ما يقوله البعض عن هذه الفئة الغالية من العاملات في المجال الطبي من قدح وغمز ولمز وطعناً في الاعراض والشرف زوراً وبهتاناً وكأنهم اطلعوا على الغيب.

فقمت التناقض أن ترى البعض يرفض عمل المراءة في هذا المجال ويرفض فكرة الزواج من العاملات في المجال الطبي بحجة الاختلاط بينما يطالب بذات الوقت بأن تعالج والدته او زوجته او ابنته طبيبة فقط ويرفض ان ينظر حالتها الصحية طبيب رجل.

وتكمن المشكلة الثانية بهذا الموضوع بأن من يتحدثون عن عمل المراءة في المجال الصحي وبهذه السلبية المفرطة بأنهم لا يفرقون بين مصطلح الاختلاط وبين معنى الخلوة غير الشرعية ومعلوم بان الفرق واسع والبون شاسع 00فلاختلاط هو: اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد.. ولا ينكر عاقل بان الاختلاط بهذا المعنى واقع نعيشه بكثير من مناحي الحياة اليومية في الأسواق والحدائق والملاهي والشارع وبعض المصالح العامة اثناء فترة العمل الرسمي وكذألك الحال في المستشفيات.

بينما الخلوة غير الشرعية أو الخلوة المحرمة هي، أن يخلو رجل بامرأة أجنبية عنه عن انظار الناس ووجود حائط أو نحوه بينهما في خلوة مع امكان وصول بعضهما لبعض.

وغني عن القول بان ما نراه اليوم في المستشفيات والقطاعات الصحية عموماً هو اختلاط وليس خلوة وفقاً للمفهوم الشرعي ..وهو اختلاط فرضته الظروف وطبيعة العمل اختلاط محكوم بضوابط شرعية ونظامية فضلا عن العادات والتقاليد الاجتماعية .. فمن الناحية الشرعية فالعاملات بهذا المجال هن من بنات المجتمع السعودي المحافظ واللاتي نشئنا وتربينا على التعاليم الإسلامية ولديهن الوعي والوازع الديني الكفيل بمنعهن من الوقوع في ما يخالف الشرع وفي الجانب النظامي القانوني نجد ان هناك أنظمة وتعليمات صارمه تمنع على العاملين القيام بأي عمل او إقامة اية علاقة مخالفة للشرع وقد فرضت عقوبات رادعه تصل الي حد الفصل من العمل مع إحالة الطرفين لجهة الاختصاص لتطبيق العقوبة الشرعية عليهما إضافة الى الجانب الاجتماعي والذي يلعب دور كبير وهام حيث يحافظ كل طرف على سمعته

وكرامته أمام زملائه وامام اسرته وامام المجتمع لعلمهم بأن الوقوع بمخالفة من هذا القبيل تعني انتهاء سمعته الشخصية والمهنية والاجتماعية .

والزائر للمستشفيات والمجمعات الطبية يرى مدى توافر وتهيئة بيئة العمل لمثل ذألك فمكان العمل يوجد فيه حراس أمن وتعمل به كمرات المراقبة على مدار الساعة فضلا عن تواجد العاملين والمراجعين باستمرار وطوال الوقت ما يجعل القيام باي عمل مخالف للآداب شبة متعذر. وما يؤكد ذألك بأن ما يتم ضبطه من قبل جهات الضبط وما يتم عرضة على جهات الاختصاص من المتهمين بإقامة علاقة غير شرعيه من بين العاملين في القطاع الصحي لا يكاد يذكر مقارنة بما يتم ضبطه من حالات في أماكن أخرى بصفة عامه.

وقد ناقش فقهاء وعلماء الامة مسألة الاختلاط وقد حددت الحالات والشروط لذلك ومن الحالات: 1/ الاختلاط للضرورة 2/ الاختلاط للحاجة 3/ الاختلاط لغرض تحمل الشهادة 4/ الاختلاط لغرض اعمال الحسبة 5/ الاختلاط لغرض خدمة الضيوف 6/ الاختلاط للقيام بأعمال الجهاد 7/ الاختلاط لغرض استماع الوعظ والإرشاد .. ومن الشروط أ/ ان تخلو من تبرج المراءة وكشف ما لا يجوز كشفه ب/ ان يخلو من النظر الي ما لا يجوز النظر اليه ج/ ان لا تخضع المراءة في الكلام د/ ان لا تظهر المراءة على حالة تثير الرجال. هـ/ ان يخلو من مس احد الجنسين الاخر دون حائل .و/ ان يخلو من تلاصق الاجسام عند الاجتماع..

أن عمل للنساء في القطاع الصحي وبكل التخصصات لربما يكون السبب يوماً ماء في استحداث وانشاء اقسام طبية متخصصه داخل المستشفيات يعمل بها فريق طبي نسائي فقط، أنه لمن الظلم أن نجعل من عمل المراءة بهذه المهن مع الرجال معيارا أو مقياس للرفض أو القبول بها كزوجة فأغلبهن حتى لا ابالغ أفضل من غيرهن في الادب والاحتشام والأخلاق .. وعملهن بهذه المهن اكبر خدمة لمجتمعنا المحافظ فقد كفنا خطر مباشرة الرجال لحالات النساء والذي نتج عنه في بعض الحالات السابقة للاعتداء على بعض الأطباء الرجال من قبل أولياء الأمور .

ويبقى المقياس الحقيقي للحكم وللاختيار لشريكة الحياة هو(الصلاح والتربية والأخلاق )، وليس طبيعة العمل أو مكانه، ومن المؤسف أن من يغذون فكرة الاختلاط وينشرون الفكرة السيئة عن العاملات بالمجال الطبي هم فقط مدعون لأقوال مرسله لا دليل عليها ولم يسبق لأي منهم أن عمل في المستشفيات أو حتى تنوم فيه لفترة تمكنه من الحكم..

لذا أقول لهم من حقك أن لا تقبل الارتباط بإحدى العاملات بالمستشفيات ومن حقك ان تمنع ابنتك أو من كانت تحت ولايتك من دراسة الطب أو التمريض أو نحوهما ولكنه ليس من حقك لا شرعا، أن تطعن في شرف العاملات بهذا المجال وتنال من سمعتهن باعتقاداتك وشكوكك وظنونك الخاطئة فانت بميزان الشرع آثم وقولك قذف للمؤمنات المحصنات الغافلات وبذألك تكون قد ارتكبت احد السبع الموبقات التي امرنا الرسول باجتنابها وفي ذات الوقت وقعت في الاعراض التي حرمها بقوله عليه الصلاة والسلام “”.. ان دمائكم واموالكم واعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا…….”” الحديث

لكل من تعمل بهذا المجال من طبيبات وممرضات وصيدلانيات وفنيات وزميلاتهن في المهنة.. لقد اخترتن العمل بمهنة سبقكم للعمل بها أمهات المؤمنين والصحابيات الجليلات رضي الله عنهم جميعاً.. لقد رفعتنا الحرج عن نساء المسلمين بتقديم الخدمة لهن بدلا من الرجال.. لقد اثبتن كفاءتكن العلمية والعملية على العمل بهذا المجال ومنافسة الاخرين.. انتن فخر لأسرتكن وفخر للمجتمع لكن كل الشكر والتقدير ولن ينقص من قدركن قول حاقد وشكوك واهم او لمز وغمز حاسد.

وفي الختام أنه لمن واجب المهتمين بهذا الشأن بيان الحقيقة للناس وخاصة للشباب الراغبين بالزواج وتوضيح طبيعة عمل المراءة في المجال الصحي، وكشف ما يروج عن شبهة الاختلاط والتي تسببت بحرمان الكثير منهن من الزواج دون وجه حق، ومن الضروري أن تقوم إدارات المستشفيات بدور فاعل بهذا الخصوص واقله جهد وكلفة انشاء اقسام داخل المستشفيات يوكل اليها مهمة التوفيق بين الراغبين بالزواج من العاملات في المستشفى سواء كان المتقدم، لذألك من العاملين بالمستشفى أو خارجة على ان يكون لها مقر معلوم وتعمل وفقاً للشروط وضوابط تضمن تحقيق الغاية منها ويسند العمل بها لرجال ونساء اكفاء وتمنح لهم الصلاحية الازمه للتحقق من شخصية المتقدمين بما فيها الحق في الاطلاع على الصحيفة الأمنية للمتقدمين بالتعاون مع الجهات المختصة.