يسعى الحجاج كل عام، بين جبلي الصفا والمروة، ضمن شعائر الحج التي فرضها الله ” عز وجل ” لمن استطاع إليه سبيلاً، حيث يبدأ من جبل الصفا الذي يبعد عن الكعبة مسافة 130 متراً، إلى جبل المروة الذي يتكون من حجارة البراقة.

يضرب هاذين الجبلين بجذورهما في أعماق التاريخ، عندما جاء إليه أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وزوجته المصرية ” هاجر ” أم سيد إسماعيل ” عليه السلام ” الذي كان رضيعاً حينذاك، حيث تركها النبي إبراهيم استجابة لأوامر خالقه، لا يوجد معها سوى القليل من الماء والزاد.

تمثلت ثقة ” هاجر ” في خالقها غير المحدودة، عندما علمت أن النبي إبراهيم يذهب ويتركهما في صحراء مكة بأمر من الله، حيث قالت ” إذا لن يضيعنا الله “، وعندما نفذ ما معها من زاد بدأت رحلة معاناة جديدة بحثاً عن الماء والطعام.

فصعدت ” هاجر ” إلى جبل الصفا متوهمة وجود ماء أعلاه، لكنها لا تجد شيئاً فتسرع بالهبوط مرة أخرى وتصعد إلى جبل المروة دون جدوى سبع مرات.

وبعدما انهكها التعب بين الجبلين صعوداً وهبوطاً، بعث الله جبريل عليه السلام، فضرب الأرض بجناحه، فظهر الماء بجوار إسماعيل، لتهرول هاجر نحوه حامدةً وشاكرةً الله، وهي تغرف وتسقي ولدها كي تنقذه، قائلة: ” زمّ الماء، زمّ الماء “، أي جرى الماء، ومن هنا كانت تسمية هذه العين بـ ” زمزم “.

بعد ذلك بسنوات كثيرة، عندما أمر الله ” عز وجل ” أن يكون السعب بين الصفا والمروة من شعائر الحج، كره المسلمون هذا الأمر لكون قبيلة قريش كانت تطوف به ويتمسحون بـ صنمين ” أساف ونائلة “، ويتبركون بهما، فأنزل الله الآية الكريمة في سورة البقرة: “إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما”.

و تسبب بناء البيوت والحوانيت وشق الطرق، إلى تعرض جبلي الصفا والمروة، للتكسير بمرور الزمن، كما انجرفت التربة بسبب السيول الهائلة التي أصابت مكة.

من جانبهم، اهتم الخلفاء والأمراء بعمارة المسعى، ففي البداية لم يكن بين الصفا والمروة أي بناء سوى الصخور وبطحاء الوادي بينهما، وفي عهد عمر بن الخطاب بدأت التوسعة للمسعى، وبعده توالت التوسعات، فتمت إضافة القناديل بين الصفا والمروة في زمن الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان.

وأشار بعضا لمؤروخين، إلى أن الخليفة العباسي أبو عبدالله محمد المهدي قام بـ ” توسعة عظيمة ” للمسجد النبوي، وأول تسوية أرض المسعى، وفي عام 1335هـ، تم رصف ما بين الصفا والمروة، بعد أن كان ترابياً في السابق، وسقف المسعى على يد الشريف حسين.

وفي العصر الحديث، أمر الملك عبدالعزيز في عام 1345 بفرش المسعى بالحجارة منعاً لإثارة الغبار أثناء السعي، وكذلك سقف المسعى بطول 350 وعرض 20 متراً.

وا شهد المسجد الحرام بعد الملك المؤسس وحتى الآن، العديد من عمليات العمارة الهائلة للحرمين الشريفين، وإجراء أعظم التجهيزات والتطويرات لـ ” المسعى ” في تاريخه، حيث أقيمت فيه أدوار، وتجهيزه وتكييفه في سابقة لم يشهدها المسعي من قبل.