توافد العديد من ضيوف الرحمن على مسجد قباء بالمدينة المنورة هذه الأيام للصلاة فيه والوقوف على معالمه الإسلامية والتاريخية لاستذكار تاريخ إسلامي حافل بالسيرةٍ النبوية العطرة التي إكتسبها منذ وصول الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم للمدينة المنورة مُهاجراً إليها من مكة المكرمة.

ويمثل مسجد قباء أهمية تاريخية في الإسلام لأسباب عدة, فهو أول مسجد أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة, فقد خطه الرسول صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة عندما وصل لطيبة الطيبة , وشارك صلى الله عليه وسلم في وضع أحجاره الأولى ثم أكمله الصحابة رضوان الله عليهم, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصده بين الحين والآخر ليصلي فيه ويختار أيام السبت غالباً ويحض على زيارته كما , ورد في الحديث الشريف : ( من تطهر في بيته وأتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة فله أجر عمرة) وحديث : ( من خرج حتى يأتي هذا المسجد يعني مسجد قباء فصلى فيه كان كعدل عمرة).

واهتم المسلمون بمسجد قباء منذ عصره عليه الصلاة والسلام, وعصر الخلفاء من بعده فقد جدده رابع الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم عمر بن عبد العزيز الذي بالغ في تنميقه وجعل له رحبة وأروقة ومئذنة وهي أول مئذنة تقام فيه, وفي سنة 435هـ جدده أبو يعلى الحسيني وفي سنة 555هـ جدده جمال الدين الأصفهاني وجدده أيضاً بعض الأعيان و المحسنين في أعوام (671 و 733 و 840 و 881 )هـ وفي عهد الدولة العثمانية جُدد عدة مرات آخرها في زمن السلطان عبد المجيد, وفي العهد السعودي الزاهر لقي مسجد قباء عناية كبيرة فرُمم وجُددت جدرانه الخارجية وزيد فيه من الجهة الشمالية سنة 1388هـ .

وأمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله – في عام 1405هـ أمر بإعادة بنائه ومضاعفة مساحته عدة أضعاف مع المحافظة على معالمه التراثية بدقة, فهُدم المبنى القديم وضُمت قطع من الأراضي المجاورة من جهاته الأربع إلى المبنى الجديد وامتدت التوسعة وأعيد بناؤه بالتصميم القديم نفسه وجعل له أربع مآذن عوضاً عن مئذنته الوحيدة القديمة كل مئذنة في جهة وبارتفاع / 47 / متراً و بُني المسجد على شكل رواق جنوبي وآخر شمالي تفصل بينهما ساحة مكشوفة ويتصل الرواقان شرقاً وغرباً برواقين طويلين ويتألف سطحه من مجموعة من القباب المتصلة منها (6) قباب كبيرة قطر كل منها (12) متراً و(56) قبة صغيرة قطر كل منها ستة أمتار وتستند القباب إلى أقواس تقف على أعمدة ضخمة داخل كل رواق, وكسيت أرض المسجد وساحته بالرخام العاكس للحرارة وتظلل الساحة بمظلة آلية صنع قماشها من الألياف الزجاجية تُطوى وتُنشر حسب الحاجة.

وتبلغ مساحة المصلى وحده (5035) متراً مربعاً وبلغت المساحة التي يشغلها مبنى المسجد مع مرافق الخدمة التابعة له (13500) متر مربع في حين كانت مساحته قبل هذه التوسعة (1600) متر مربع فقط, كما أُلحق بالمسجد مكتبة ومنطقة تسويق لخدمة الزائرين .

ويحظى مسجد قباء بفائق العناية وجليل الرعاية والاهتمام من حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله- فيما يعد مسجد قباء من أكبر مساجد المدينة المنورة بعد المسجد النبوي الشريف حيث تُقام فيه الصلوات العادية وصلاة الجمعة والعيدين, ويُعد مقصداً لزوار وسكان مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم .