منح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، فرصة فريدة لعام 2017 ليحفر بحروف من نور في تاريخ المرأة السعودية، وذلك بإصداره مرسوما ملكيا يسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة بعد طول انتظار، في خطوة إيجابية تاريخية نحو تعزيز دور المرأة.

قوة دفع كبيرة لجهود التنمية، وتعزيز مشاركة المرأة فيها حملها هذا القرار على ضوء ما تتضمنه استراتيجية 2030 للتنمية، من اعتراف بدور المرأة في بناء حاضر ومستقبل أفضل لأسرتها ومجتمعها، بما يسمح بقوة دفع جديدة تتواصل اليوم في إطار جهود تحديث المجتمع وتطويره، وتزايدت القناعة بحتمية توسيع مشاركة المرأة في دوائر صنع المستقبل.

مكتسبات متتالية تحصل عليها بنات الوطن واحدة تلو الأخرى، وجميعها مرتبط بالرؤية المستنيرة لخادم الحرمين، ويوافق الشريعة الإسلامية لأن الأصل فيها الإباحة، إلى جانب مواكبته لمستجدات العصر والمجتمع، حيث سبق تلك الخطوة السماح للمرأة بالذهاب للملاعب ومتابعة مباريات كرة القدم دون محرم.

وقد شهدت المملكة في الآونة الأخيرة جهودا متعاظمة من أجل توفير البنية الملائمة لانطلاقة مستقبلية تحمل على عاتقها نهضة كبرى في إطار استراتيجية 2030 التي أقرتها المملكة، وما توفره من بيئة صحية واجتماعية صالحة تكفل الحقوق لجميع المواطنين دون تمييز فى النوع، وتوفر المناخ الاجتماعي السليم لكي يصبح كل فرد من أفراده قادرا على تحقيق النجاح في كافة المجالات.

واليوم تم وضع لبنة جديدة على طريق اكتمال هذا الجهد بالإعلان عن السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، تأكيدا لما يجب أن تسهم به من إضافة في الحياة الثقافية والاجتماعية وتغيير نظرة المجتمع لها، وتأكيدا لقدرتها على التفاعل مع مسيرة التحديث والتطوير والنمو والازدهار.

هكذا نجد أن هذا الإعلان جاء تتويجا لكل الجهود التي بذلت من أجل إزالة كافة أنواع التمييز بين المرأة والرجل، وفي مقدمته حق المواطنة الذي يرسي مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجال والنساء دون تمييز، وقد عكست استجابة الملك سلمان وانتصاره لحق المرأة في قيادة السيارة، حرصه على مشاركة نصف المجتمع بنفسه في البناء والتنمية، وفي كافة نواحي الحياة، ليس فقط في ميادين العمل المختلفة لكن أيضا كزوجة صالحة وأم فاضلة تهدي للوطن أجيالا واعدة.

26 سبتمبر بات يوما تاريخيا للمجتمع السعودي، لأنه اليوم الذي أسدل فيه الستار على نضال المرأة من أجل الحصول على حقها في قيادة السيارة بعدما كانت السعودية الدولة الوحيدة التي تمنع ذلك، ورغم أن صدور الامر السامي في هذا الشأن كان مفاجأة للعديد من المتابعين داخليا وخارجيا، إلا أن الشهور الماضية شهدت إرهاصات لبلورته حيث تلمس المجتمع صدوره.

وقد تصدر المرسوم الملكي أغلب الصحف السعودية والعربية والعالمية التي نشرت القرار على صدر صفحتها الأولى، وألهب وسائل التواصل الاجتماعي التي رحبت به ووصفته بأنه قرار تاريخي، حيث جاء في نصه أنه ” نشير إلى ما يترتب من سلبيات من عدم السماح للمرأة بقيادة المركبة، والإيجابيات المتوخاة من السماح لها بذلك مع مراعاة تطبيق الضوابط الشرعية اللازمة والتقيد بها ” ” كما نشير إلى ما رآه أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء بشأن قيادة المرأة للمركبة من أن الحكم الشرعي في ذلك هو من حيث الأصل الإباحة، وأن التحفظات عليه تنصب على اعتبارات تتعلق بسد الذرائع المحتملة التي لا تصل ليقين ولا غلبة ظن، وأنهم لا يرون مانعاً من السماح لها بقيادة المركبة في ظل إيجاد الضمانات الشرعية والنظامية اللازمة لتلافي تلك الذرائع ولو كانت في نطاق الاحتمال المشكوك فيه ” .

وأضاف “ولكون الدولة هي – بعون الله – حارسة القيم الشرعية فإنها تعتبر المحافظة عليها ورعايتها في قائمة أولوياتها سواءًا في هذا الأمر أو غيره، ولن تتوانى في اتخاذ كل ما من شأنه الحفاظ على أمن المجتمع وسلامته ” .

وخلص القرار الملكي إلى القول: ” اعتمدوا تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية – بما فيها إصدار رخص القيادة – على الذكور والإناث على حد سواء، وأن تشكل لجنة على مستوى عال من وزارات: (الداخلية، والمالية، والعمل والتنمية الاجتماعية)؛ لدراسة الترتيبات اللازمة لإنفاذ ذلك، وعلى اللجنة الرفع بتوصياتها خلال ثلاثين يوما من تاريخه، ويكون التنفيذ اعتبارا من 10 / 10 / 1439 هجريا ووفق الضوابط الشرعية والنظامية المعتمدة، وإكمال ما يلزم بموجبه ” .

الثمرة الحقيقة للقرار أكبر بكثير من كونه سمح للمرأة بقيادة السيارة، لأنه أكد إيمان قيادة أكبر دولة إسلامية بحقوق المرأة، وبأنها إنسان كامل الأهلية مثلها مثل الرجل، فهي ذاتها المتعلمة والواعية والعاملة والمنتجة والمثقفة والمبدعة التي لم تتردد في الدفاع عن حقها في تحقيق ذاتها ساعية لأن تعطي وتقدم وتضيف لمجتمعها ووطنها، فمن حقها أن تحتفل اليوم بهذا الإنجاز وأن تخطو نحو المستقبل كي تقدم المزيد لوطنها، فهي جزء من مسيرة المجتمع تتقدم به ومعه.