جمعتنى بالباحثة اليمنية الشابة الدكتورة وسام باسندوه رغبة مشتركة فى مأسسة العمل العام .. كان ذلك فى بدايات عام 2011 مواكبا اندلاع الثورات فى تونس ومصر واليمن وليبيا وشاركت حينها الى جانبها فى تأسيس منظمة مجتمع مدنى تسمى المبادرة العربية للتثقيف والتوعية .. بدأت واعدة وحاصرتها تدريجيا الاجراءات الروتينية حتى شاخت وهى فى ريعان شبابها.

ربما كانت هذه التوطئة ضرورية للخوض فى رحلة فى عقل الباحثه امتدت حتى فاجأتنى به هذا العام بدعوة على حفل توقيع كتابها ” مذكرات ثورة مأزومة ” حضرته نخبة من المفكرين والسياسيين شكلت فى مجملها إجماعاً عربيا لم ولن تحققه جامعة الدول العربية إلى أن يأذن الله بتفعيلها أو فض سيرتها عملا بالقول المأثور ” إكرام الميت دفنه ” .

حين التقينا – الدكتورة وسام وانا وحالمون مثلنا بمؤسسات مجتمع مدنى فاعلة – اشتعل الحوار بيننا عن محرك وجدوى ثورات 2011 .. ومع توالى لقاءاتنا ظللت الى أمد بعيد منها أظن انها مصرية – عرفت عن غير قصد منها أنها يمنية ايضا ليس هذا فحسب بل انها ابنة شقيق رئيس الوزراء اليمنى محمد باسندوه الذى استقال من منصبه حين حاصر الحوثيون العاصمة اليمنية صنعاء وانها أيضا محاضرة في معهد الدراسات العربية .

الأهم طوال هذه الرحلة اننى لمست منها حماسا منقطع النظير للثورات العربية ولا اعرف حتى الان ان كنت مصيبا ام مخطأ فى هذا الاستنتاج خاصة اننى شعرت خلال حفل توقيع الكتاب والكلمة التى القتها فيه وتصفحى السريع له بان انقلاب قد حدث فى توجيهاتها السياسية ظهر حتى فى مفراداتها وخصوصا ترديدها لمصطلح ” ما يسمى الربيع العربي ” وكأنها بذلك تسحب ما اعتبرته حماسا لهذه الثورات ولم يتسنى لى حتى الان ان اناقشها فى صواب أو خطأ هذه الانطباعات .

المهم فى النهاية ان كتاب الدكتورة وسام يمكن اعتباره سجلا تاريخياً لما شهده اليمن من احداث وتطورات طوال السنوات الست الماضية والاهم ان ” مذكرات ثورة مأزومة ” يمكن القارئ العادى أو الباحث الاكاديمى العربى من فهم الغاز الازمة اليمنية عبر رؤية موضوعية ناضجه وواعية وايضا محايدة رغم انها مجموعه من المقالات والمقال بطبعه يشوبه انحياز كاتبه لما يؤمن به الكتاب عبارة عن العديد من المقالات التى كتبتها الدكتورة وسام باسندوه فى عدة صحف عربية بدءا من الاول من ابريل عام 2011 وحتى نهاية يونيو عام 2016 تقول عنها انها مقالات تعكس رؤيتها وتحليلها لتطورات الاحداث فى اليمن وتفاعلها وتعاطيها من دون ان تجافيها الموضوعية والتحليل العلمى قدر الامكان فهى تبقى مقالات رأى وليس بحثا علميا مجردا وهى بالتالى تستعرض الاحداث دون تزييف أو تزوير وتحللها وتناقشها وفق مقاربات ومعطيات موضوعية لكن دون ان تغفل رأيها وانحيازها فى نهاية الامر.

وتبرر الكاتبة انحيازها بأنه ” انحياز للحق ولشعبنا وناسنا ولحلمنا بالدول المدنية وهو امر لا غنى عنه والاهم ان الاراء تعبر عن قناعة صاحبها دون توجية أو مصالح شخصيه أو خدمة لطرف ما “.

وقسمت الدكتورة وسام الكتاب الى ثلاثة مراحل .. الاولى حماس الثورة والثانية مرحلة الامل المشوب بالالغام والثالثة مرحلة سرقة الحلم وسقوط الدولة .. والكتاب فى مجملة فضح لمؤامرة الحوثى والمخلوع على اليمن الارض والشعب والحلم.

وتتوقف الدكتورة وسام فى اكثر من مقال امام عاصفة الحزم وفى احد مقالاتها التى قدمت فيه رؤية تحليلية للعملية .. تقول :
فى منتصف ليلة الخميس 25 مارس (2015 ) فى تلك الليلة الظلماء حيث كان اليمنيون ينتظرون سقوط العاصمة المؤقتة وعاصمة دولة الجنوب سابقا عدن بيد الحوثيين خلال ساعات بعد ان باتت الميلشيات على بعد بضعة كيلو مترات فقط ولم يكن لاحد ان يتنبأ بالمصير بعد ان انتشر الفوضى وعمليات النهب مع كل تقدم لقوات الحوثيين فى المحافظات الجنوبية خلال اليوم فوجئ اليمنيون جميعا بأصوات ظنوها بداية انفجارات لكن الامر لم يكن كذلك فسرعان ما بثت القنوات الاخبارية البيان السعودى الذى اعلن عن بدء العملية الجوية المسماة ” عاصفة الحزم “.

وتقدم الكاتبة منظورين لعاصفة الحزم يؤطران موقفها من العملية .. الاول قانونى حيث جاءت العملية بناء على طلب الرئيس الشرعى بن هادى بالاستناد للماده 51 من الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة والمنظور الثانى انسانى وتقول عنه : لا يمكن لإنسان طبيعى ان يفرح بالحرب والدماء لكننا وصلنا هنا بسبب الرئيس السابق ومن ثم حلفائه الحوثيين وتعنتهم ومكابرتهم وأطماعهم.

وترد الكاتبة على من يرى ان العملية تستهدف مصالح الدول المشاركة فيها قائلة :وما العيب ؟ .. من حق كل دولة ان تحمى نفسها طالما انها تملك حق الردع ثم ان العملية جاءت بعد ان انهارت كل قدرات الرئاسة فى السيطرة على البلاد .. حين قصف مقر ورمز الكرامة والشرعية بالمطارات .. حين عجز القائد الاعلى للقوات المسلحة عن تحريك فرقة أو طائرة.

وتتساءل : ماذا بقى من مفاهيم السيادة الوطنية والكرامة ؟ واين هى هذه المقدرات ؟ وتجيب هذه المقدرات ليست ملكا لهذا الشعب .. صارحوا انفسكم .. لم يملكها .. يوما كما عادت الازمه لتكشف بوضوح بانه لن يملكها ابدا فقد جيرت كلها لصالح شخص واسرة .. الحوثيون من يتحمل مسئولية هذه العملية .. هم المسئولون عن تدمير هذه البلاد من قبل ومن بعد ..

وتحت عنوان ” قرار مجلس الامن .. دلالات مهمة ” قالت الكاتبة ان القرار الذى يحمل رقم 2216 والموجه بالدرجة الاولى لصالح وزمرته ولايران اثبت ان المملكة العربية السعودية هى الرقم الصعب على المستوى العالمى وان التصريح السعودى الذى اعتبر بوضوح اليمن خطاً احمرا كان تصريحاً جاداً وان لم يلتقطه بعض المأذومين .. اليمن خط احمر ولن تسمح المملكة لاحد باللعب فيها .. تماما كما هو الحال فى البحرين وهو ما فهمته الدول الكبرى الولايات المتحده وروسيا قبل غيرهما وعلى الجميع ان يعيد التوضع فى صياغة مواقفه وفق هذه المعادلة .

وتحت عنوان ” التعاطف مع الحاله الانسانية افعال لا اقوال ” كتبت الكاتبة عن توجية خادم الحرميين الملك سلمان بمنح اليمنيين غير النظاميين زيارة لمدة سته اشهر قابلة للتجديد : هذا القرار الانسانى يعبر عن رؤية حقيقية لاوضاع اليمنيين خاصة وان المنفذ الحدودى اليمنى السعودى هو المنفذ البرى الوحيد الذى ظل متنفساً لمن استطاع اليه سبيلاً من المنيين.

وأضافت : المملكة بهذه الخطوة قدمت النموذج الحقيقى للتعاطف مع الحالة الانسانية اليمنية فى الوقت الذى يتاجر الاخرون بها بالكلام والشعارات الجوفاء .. ليس هذا فحسب بل كان بمثابة الرد العملى على الالة الاعلامية المعادية التى تحاول غل الصدور على دول الاتحاد بقيادة المملكة وتحميلها مسئولية الازمة الانسانية التى يعانيها اليمنيون بالداخل جراء الاجرام الحوثى بالتعاون مع صالح وزمرته
وتختم الدكتورة وسام باسندره كتابها بمقال تفضح فيه العلاقة بين الانقلابيين من الزواج العرفى الى التوثيق .. وفيه تقول : كأى مراهقين يتبادلان النظرات والغمزات امام الجميع وهما يظنان ان لا احد قد تنبه لهما تبادلت جماعتا الحوثى وصالح كامل العلاقة التى لم تكن خافية على احد منذ البداية حتى قبل بكثير اجتياح العاصمة صنعاء مهما حاولت الجماعتان الانكار لكن للامانة فان عملية الانكار هذه ليست فقط لان كلنا الجماعتين تعتقد ان اخفاء العلاقة هو تضليل للاخرين والتجرد من اى مسئولية من الجرائم المرتكبه فحسب وانما الاهم ان كلنا الجماعتين تحتقر الاخرى وتشعر بالعار من اعلان العلاقة معها .

ورغم سكوت الكاتبة عن الكلام المباح وغير المباح لان الكتاب انتهى عند المقال الاخير بتاريخ 30/7/2016 الا ان تشخيصها للعلاقة بين الحوثى والمخلوع يبرر ما انتهت اليه هذه العلاقة من طلاق شبه بائن حالياً وانقلابهما على بعضهما وربما كان التطور الاحدث هو تأمر الحوثيين مع الاخوان على تقسيم اليمن عبر اتفاق سرى رعته ايران وقطر.

ويبقى كتاب ” مذكرات ثورة مأزومة ” ليس فقط شهادة وتحليل لاحداث خمس سنوات من عمر الازمه اليمنية لكنه نص ادبى بديع لا يفتقر الى مقومات السرد مما يبشر بروائية تبزغ فى سماء ” القصة السياسية ” .