الكعبة بيت الله الحرام , في قلب مكة المكرمة , وهي القبلة لتي يحج إليها الناس والأنبياء والملائكة , منذ أقدم العهود التاريخية , فهي أقدم بيت وضعه الله تعالى للناس ويعود بدء الاستيطان البشري في مكة المكرّمة إلى ما قبل نحو 4000 سنة قبل الميلاد، حين قَدِمَ إليها سيدنا إبراهيم – عليه السلام – وزوجه هاجر؛ وابنهما سيدنا إسماعيل -عليهما السلام .

وفي ذلك الزمان حط ” خليل الله ” رحاله في هذا الوادي المبارك امتثالاً لأمر الله – عزّ وجلّ – ولم يكن بمكة المكرّمة أحدٌ من البشر، وترك زوجه وابنه فيها وهو عائدٌ إلى الشام.

الطوفان الأكمة
يشير حسان طاهر؛ المدير التنفيذي لمتحف دار المدينة، إلى أن طوفان سيدنا نوح – عليه السلام – في ذلك الوقت كان قد أزال معالم البيت العتيق الذي كان موضعه على أكمة صغيرة في وسط الوادي والذي سُمي فيما بعد بوادي سيدنا إبراهيم، وكانت القبائل العربية في ذلك الوقت تعرف أنه كان فوق تلك الأكمة بيتٌ للرب يُعبد، ولكن لا يُعرف تفاصيله أو شكله.

بناء الكعبة
وأضاف: بعد رجوع سيدنا إبراهيم – عليه السلام – إلى مكة من الشام، قام ببناء الكعبة المشرّفة بأمر من الله – عزّ وجلّ -، فكان بناؤه مستطيل الشكل من الحجارة، وجعل ارتفاعها 9 أذرع، ولم يجعل للكعبة سقفاً، وفتح لها بابيْن ملاصقيْن بالأرض دون مصراع يُغلق، وبنى في شمالها عريشاً منحنياً هو الذي يسمّى بالحجر، ونزل جبريل – عليه السلام – بالحجر الأسود، فوضعه إبراهيم – عليه السلام – في مكانه.

الكعبة وقريش
وتابع قائلاً: عزمت قريش على تجديد بناء الكعبة المشرّفة، وذلك في السنة الخامسة قبل البعثة النبوية، واشترطوا ألا يدخلوا في بنائها مالاً حراماً، فقصُرت بهم النفقة الطيبة عن إكمال البناء، فأنقصوا من جهة الحجر 6 أذرع وشبراً وأداروا عليه جداراً قصيراً ليطوف الناس من ورائه، وأحدثوا بعض التغييرات فيها فزادوا ارتفاعها، وقاموا بتسقيفها؛ حيث لم تكن مسقوفة، وجعلوا لها ميزاباً من الخشب، وسدوا الباب الغربي، ورفعوا الباب الشرقي عن مستوى الأرض، وشارك النبي ﷺ في بنائها، ووضع الحجر الأسود، كما ورد في الحادثة الشهيرة.

عهد الزبير
أكّد طاهر؛ أنه حين تولى عبدالله بن الزبير، أمر مكة، قرّر إعادة بناء الكعبة على قواعدها كما بناها سيدنا إبراهيم، تيمناً بما كان يتمناه النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقد سمع من خالته عائشة – رضي الله عنها – أن النبي -صلى الله عليه وسلم – قال لها: “يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألصقته بالأرض، وجعلت له باباً شرقياً، وباباً غربياً فبلغت به أساس إبراهيم”، فأدخل فيها عبدالله بن الزبير؛ ما أخرجته قريش منها 6 أذرع وجعل لها بابيْن ملتصقيْن بالأرض وزاد في ارتفاعها.

الحجاج يعدّل
وأشار المدير التنفيذي لمتحف دار المدينة، إلى أنه لم يدم بناء ابن الزبير طويلاً حتى سيطر الحجاج بن يوسف؛ على مكة، وقتل ابن الزبير، وكتب إلى الخليفة الأموي أن عبدالله بن الزبير، قد زاد في الكعبة ما ليس منها، فائذن لي بتعديل بنائها على ما كانت عليه في عهد قريش، فعدّل بناءها عام 74هـ ولم يغيّر ارتفاعها.

العهد العثماني
وقال طاهر: تسبّب سيل عظيم عام 10399هـ في سقوط معظم أجزاء البيت المعظم، فقد دخل السيل المسجد الحرام وبلغ طوق القناديل، ودخل الكعبة المشرّفة وبلغ نصف جدرانها؛ ما أدّى إلى سقوط الجدار الشامي وبعض من الجدارين الشرقي والغربي، وكان أمراً جللاً أوقع الضجيج العام، فقام السلطان مراد خان؛ عام 1040هـ، بإعادة بناء الكعبة واستغرقت عمارتها 6 أشهر ونصف الشهر، ثم قام بكسائها بالحرير الأبيض، ووضع لها حزاماً من القصب المطرز.

العهد السعودي
وأفاد: تمّ في عهد الملك سعود نقض سقف الكعبة الأعلى وتجديد عمارته وتجديد السقف الأدنى، وعُملت قاعدة بين السقفين مع ترميم الجدران الأصلية ترميماً جيداً ورمم الدرج في باطن الكعبة.

وأكّد أنه في عهد الملك فهد؛ عام 1417هـ، جدّدت الكعبة تجديداً كلياً من الداخل فشمل سقف الكعبة والأعمدة الثلاثة والأرضيات ورخام السطح والحوائط والسلم الداخلي والشاذروان والميزاب وجدار حجر إسماعيل وكانت هذه آخر عمارة للكعبة المشرّفة.

ويقوم متحف دار المدينة حالياً باستعراض تاريخ هذه العمارة العظيمة للكعبة المشرّفة ضمن أروقته، وذلك بتجسيد كل عمارة على حدة، وتوضيح أبرز سماتها، وشرح تاريخها لزوّار المتحف عبر الوسائل العلمية المتخصّصة.