أكد معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ أن الحاجة ماسة للأخلاق لنجاح التعايش السلمي، وتحاشي الصدام وتحقيق السلام، لاسيما في هذا العصر ” عصر العولمة ” الذي تتداخل فيه الأمم وأتباع الأديان.
جاء ذلك ، في مستهل الكلمة التي ألقاها ممثل معالي الوزير، سعادة المستشار المشرف العام على برنامج التبادل المعرفي في الوزارة الدكتور عبدالله بن فهد اللحيدان، في افتتاح ندوة: (المنهج الأخلاقي وتعزيز التعايش السلمي) ، اليوم الثلاثاء السابع عشر من شهر ربيع الأول 1439هـ ، التي تنظمها الوزارة ممثلة في ــ برنامج التبادل المعرفي ــ بالتعاون مع جامعة ويلز ، في القاعة الكبرى التابعة للمجلس البلدي لمدينة كارديف في مقاطعة ويلز في المملكة المتحدة ، وتستمر لمدة يومين.
وقال معاليه: إن من أهم أسباب نجاح التعايش السلمي : التمسك بالأخلاق الفاضلة، سواء على المستوى الفردي أو الأسري أو الاجتماعي أو الوطني أو الإنساني، فهي ركيزة أساسية في تهذيب السلوك الإنساني، وتنظيم العلاقات على أسس قويمة من السمو الروحي والمعاملة الطيبة، كما أنها عنصر فعَّال في شيوع المحبة والألفة والتماسك والترابط في المجتمع، أفراداً وأسراً وشعباً وقيادة، ومنبع رئيس للتعايش السلمي البنَّاء مع الأمم الأخرى.
وشدد معاليه على أن التعايش بين الأطراف، والشرائح والأطياف، والانتماءات جزء من دين الإسلام، فما بال المتطرفين يرفضون الآخر؟! إن الآخر مقبول في المجتمع الإسلامي، بمعاهدة دقيقة جداً أبرمها الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ بعد وصوله للمدينة المنورة، كان في المتعاهدين: المهاجرون، والأوس والخزرج والوثنيون من الأوس والخزرج، والقبائل اليهودية: بنو النضير وبنو قينقاع، فتأمل كيف جمعت وثيقة المعاهدة تلك الأطراف المتنوعة والمتباعدة، مبيناً أن مفهوم قبول الآخر مفهوم أصيل في الدين الإسلامي، كما أن مفهوم التعايش بين الفئات المتعددة أصيل في الدين، وما نسمعه من حين إلى آخر من أن المسلم لا يقبل الآخر هذا محض افتراء من أعداء أو جهلة بالدين، فحبيبُ الحقِّ النبي المرسل خاتم الأنبياء والمرسلين، بحياته، وبتوجيهه، وبتنظيمه أجرى هذه المعاهدة التي ضمت طوائف واتجاهات، وألوان، وشرائح، وأطياف، وقد نصَّت على توضيح شديد للحقوق والواجبات (ما لنا وما علينا)، فما بال المسلمين اليوم لا يقبلون الطرف الآخر؟ هل هذا من الدين؟! والجواب: أنه لا يمُتُّ بأي صلة إلى الدين، بل الدينُ وأتباعُه جميعًا منه بَرَاء.
واستطرد معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ يقول : ومن أهم الأخلاق التي أكدها الإسلام وشدَّد عليها المسؤوليةُ الفردية، فالفرد مسؤول، وسيحاسب، وكان ــ عليه الصلاة والسلام ــ يؤكد أن كل إنسان مسؤول عما أنيط به من عمل،وقد قال الله ــ عزوجل ــ: {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون}،والمسؤولية الفردية تعني ألا تؤخذ الجماعات بذنب الأفراد مثل رفض وكراهية أتباع دين كامل بسبب أخطاء أفراد من أتباع هذا الدين، قال تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، وفي تأكيد على المسؤولية الفردية قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ : ” إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها ” ، فما لم يقم في المجتمع قواعد صارمة يلتزم بها جميع فئاته فلن ينهض المجتمع.
وقال معاليه: لقد كفل الإسلام حرية الدين لكل إنسان، ولا يعني هذا إقرار الضالين على ضلالهم، وإنما يعني ترك كل محاولات الإكراه والإجبار على تغيير المعتقد أو الدين أو المذهب قال ــ تعالى ــ :{لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}، كما بيَّن الإسلام أن تعدد الثقافات الإنسانية واختلاف الناس هو أمر من مقاصد الخلق، قال الله ــ تعالى ــ: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} فالاختلاف لا يؤدي إلى التنافر إذ ليس عدم الدخول في الإسلام مبيحاً لمقاطعة المسلمين للمخالف، موضحاً أن التنوع في الأعراق والألوان واللغات فهو للتعارف وتبادل الأفكار والخبرات التي تطورها أنماط الحياة المختلفة يقول ــ تعالى ــ:{وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا}.
ولفت معاليه إلى أن الثقافة الإسلامية أصبحت غنية بسبب القرب من الشعوب الأخرى، وتبادل الأفكار معها، وأخذ ما عندها من الحق، ومن ناحية أخرى قبلت شعوب عديدة الإسلام واحتفظت بعاداتها وتقاليدها الخاصة التي لا تخالف الإسلام وإن كانت لا تتفق مع عادات وتقاليد شعوب إسلامية أخرى، وتلك هي رحابة الإسلام وسماحته التي شملت وضمت الجميع. لقد دعا القرآن الكريم إلى الحوار مع الآخرين حيث قال تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}، والجدال بالتي هي أحسن مرادف للحوار الإيجابي البنَّاء. ومما ورد في القرآن الكريم من نماذج الحوار ما أُمِر به النبيُّ ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}.
وأفاد معاليه أن النصوص الشرعية تضافرت في الحث على حسن الخلق والتأكيد عليه. يقول نبينا ــ صلى الله عليه وسلم ــ: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقال ــ عليه الصلاة والسلام ــ: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً»، وقال ــ عليه الصلاة والسلام ــ أيضا: «أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن» ، وقال الله ــ سبحانه ــ مادحاً نبيه الكريم :{وإنك لعلى خلق عظيم}.
وشدد معالي وزير الشؤون الإسلامية على أن من أهم الأخلاق التي أكد عليها الإسلام نقاء القلب من الحسد والكراهية، فالقلب هو ملك الأعضاء، ومحلُّ التقوى والمقاصد والنيات، وموضعُ نظر الرب سبحانه وتعالى، ففي الحديث: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» ، فالجمال الحقيقي هو جمال الباطن، والقلب الحي هو القلب النقي الزكي الذي يتعبد لله بصدق، ومن ذلك أيضاً: سلامة اللسان واستقامة الكلمة، خاصة مع تنوع الوسائل الحديثة للتعبير عبر المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، فاللسان أعظم ما ينبغي العناية به بعد القلب.
واستذكر معاليه في هذا السياق الجهود المتواصلة للمؤسسات الدينية في المملكة العربية السعودية في محاربة الإرهاب والتطرف والدعوة الى التعايش لافتا إلى أن هذه الجهود أصبحت واضحة، ومن ذلك قيام هيئة كبار العلماء بجهود كبيرة وأعمال كثيرة في هذا الصدد منها إصدار الفتاوى والبيانات التي تؤكد وتشدد على أن ما يقوم به المتطرفون من أعمال ضد الأبرياء هي أعمال إجرامية مخالفة للشريعة الإسلامية التي جاءت بجميع المحاسن والمكارم وأتت بالرحمة والعدل والإحسان للناس.
وواصل معاليه مبينا جهود مؤسسات المملكة في محاربة الإرهاب والدعوة إلى الوسطية والاعتدال قائلا: إن كبار العلماء قاموا ويقومون بإلقاء الدروس والمحاضرات التي تدعو إلى الوسطية والاعتدال وتحارب الإرهاب والتطرف، كما تقوم وزارة الشؤون الإسلامية التي تشرف على المساجد والجوامع في المملكة بتنظيم الدورات التدريبية للأئمة والخطباء؛ للرفع من مستوى الوعي بخطورة فكر الإرهاب والتطرف على المسلمين والبشرية، مؤكدا أن الوزارة حرصت في ظل توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان ــ حفظهم الله ــ على توجيه الدعاة وأئمة المساجد وخطباء الجوامع لتأكيد مفاهيم الأخلاق الإسلامية التي تدعو للمحبة والألفة والتعايش والتعامل مع غير المسلمين بالحسنى، ومحاربة التطرف والكراهية، ونشر مفاهيم الوسطية والاعتدال.
واختتم معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ ــ كلمته ــ بتوجيه الشكر لجامعة ويلز ولمجلس ويلز الإسلامي؛ على تعاونهم مع برنامج التبادل المعرفي لإقامة هذه الندوة المهمة، كما شكر معاليه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نواف بن عبد العزيز سفير المملكة العربية السعودية لدى المملكة المتحدة وكافة العاملين معه، وللملحقية الثقافية السعودية في لندن، على تعاونهم وجهودهم، مؤملا أن ينتج عن الندوة توصيات عملية تسهم في إبراز حقيقة الأديان ودعوتها للسلام، وتساعد المجتمعات في العالم على تجاوز الأزمات الحادة التي تعاني منها البشرية.
إثر ذلك، بدأت جلسات المؤتمر التي تناقش الموضوعات التالية: الأخلاق والتعايش : تحديد نظري ، ودور التبادل المعرفي في تعزيز التعايش السلمي، والتعايش الديني: تجارب تاريخية ومعاصرة، وأخلاق التعايش السلمي, والإسلام والغرب التحديات والفرص للتعايش السلمي.