عندما تستمع لخطابه الجماهيري يُخيل لك أنك أمام معمر القذافي و عندما تُشاهد تعامل رجال الأمن مع الأقليات ومعارضي حُكمه يراودك شك أن صدام حسين لم يمت وعندما تتفحص تُركيا من الداخل تنموياً تتذكر الشخصية الماليزية مهاتير محمد ، كل ذلك يأتيك وأنت ترى وتسمع وتقرأ عن شخصية أوردوغان الذي نهض بتركيا إقتصادياً وحولها من جمهورية تعددية إلى جمهورية يتحكم في مفاصلها حزب العدالة والتنمية ذراع التنظيم الدولي للأخوان ، شخصية متناقضة تُبالغ عندما تتحدث وكأنها ستفتح العالم فتحاً عظيما.

في بدايات الثورة السورية تحدث أوردوغان عن الثورة وضرورة الوقوف مع الثوار حتى خُيل للمتابعين أن الجيش التُركي سيُحرر الشعب السوري من الحُكم الأسدي في ساعاتِ قليلة ، مرت السنوات والخُطب الأوردوغانية تعبث بالمشاعر حتى أصبح في نظر المهزومين المهوسيين شخصية إسلامية ستُعيد أمجاد الأمة.

أوردوغان شخصية براغماتية تتقلب كتقلب الليل والنهار تُجيد الرقص على إيقاعات السياسة توظف كل شيء لتحقيق مصالحها ومصالح من يقف بصفها ، يظن أوردوغان أنه الوريث الشرعي لدولة الخرافة “الخلافة” العثمانية وبسبب ذلك الظن حشر أنفه في مختلف القضايا العربية ودخل على الشعوب من باب الديموقراطية وتداول السلطة.

أوردوغان يؤمن بالديمقراطية وتداول السلطة إذا كانت طريقاً يوصل رفاقه الإيديولوجيين من أتباع الإسلام السياسي إلى السلطة أما إذا كانت الديموقراطية وتداول السلطة ستُقصي الإسلامالسياسي فإنه يقف ضدها ويشن الحرب عليها لأنها مضيعة للوقت وباب شر على الشعوب.

أوردوغان الذي أنقلب على حلفاءه بالداخل التُركي وقمع الأقليات العرقية والمكونات السياسية يعيش حالة هذيان بعد أن سقطت ورقة التوت عن جسد الإسلام السياسي فتنظيم الأخوان المسلمين لم يعد مقبولاً جماهيرياً ولم تعد شخصياته وأذرعه السياسية والفكرية قادرة على إعادة الثقة مع الشعوب فقد أكتشفت الشعوب أن ذلك التنظيم ماهو إلا تنظيمِ سياسي إيديولوجي متطرف يسعى إلى السُلطة وينتهج نهج العمل المسلح لإرهاب من يقف ضد مشروعه الايديولوجي الذي لا يؤمن بالتعددية والحريات والحقوق والمساواة.

حالة الهذيان تلك جعلته يعيش بمعزلِ عن محيطه الإقليمي ويقف مدافعاً عن كل هارب من العدالة ويدعم أذرع جماعة الأخوان المسلمين وجيوبها سياسياً وإعلامياً ومالياً ، بالأمس القريب أستكمل أوردوغان مسلسل التضليل الجماهيري فأخذ يربط بين الدفاع عن القدس ومكة والمدينة وكأنه يملك الأرض التي تحتضن تلك البقعتين الشريفتين.

أوردوغان لم يقم بذلك الربط بشكلِ تلقائي بل دفعه جنون العظمة والشعور بأن المجد العثماني لابد أن يعود ليواصل العبث بالمقدرات والشعوب العربية مثلما عبث أجداده العثمانيين بالإنسان والتاريخ العربي ، تركيا تحاول إيجاد محور سُني يضم جميع تيارات وأطياف الإسلام السياسي لكنها لا تستطيع تحقيق ذلك رغم جهودها الضخمة في ذلك السبيل ، من حق أي دولةِ في العالم العمل من أجل مصالحها لكن ليس من حقها أن تعمل من أجل إعادة عجلة الزمن إلى الوراء ونشر العنف والارهاب والوقوف ضد حقوق الإنسان وحشر أنفهافي قضايا ليست معنية بها فتركيا أوردوغان تجدها في كل قضيه والسبب المجد القديم الذي لن يعود أبداً لو يعلمون .