بعد التوصية التي طرحها رجل الإشهار ورجل الأعمال والناشط الاجتماعي المغربي نور الدين عيوش لاعتماد اللغة الدارجة في التدريس بالتعليم الأولي والابتدائي بدلاً من العربية الفصحى, تلك التوصية التي تلقى بسببها وابلا من الانتقادات الحادة في الصحف ومواقع التوصل الاجتماعي.

وقد تصدى له نخبة من المفكرين والباحثين الذين أدركوا مقدار تهافت دعوى عيوش, وكان أحدهم المفكر العربي الكبير عبدالله العروي الذي خرج من صمته الإعلامي وقبل بمناظرة عيوش في أحد البرامج الفضائية حول هذه القضية الشائكة في المجتمع المغربي وهي استعمال اللغة الدراجة في حقل التعليم.

يعتقد العروي بأن اعتماد اللغة الدارجة سيجعل من الثقافة المغربية ثقافة فلكلورية, وهذا في نظره تبخيس لقيمتها, الأمر الذي جعله يصرح في المناظرة السجالية مع عيوش: “أرفض أن تكون لغتنا الوطنية هي الدارجة, لأن هذا سيفصلنا عن محيطنا وثقافتنا … أنا غير مستعد لأن أفرط في لغة يتكلمها 400 مليون شخص, ويشتغلون عليها لتكون في يوم من الأيام في مستوى غيرها من الأمم المتقدمة”.

مضيفا بأن الانتماء للمغرب لا يتعارض أصلا مع الانتماء إلى المجموعة العربية وإلى ثقافة الجاحظ وابن خلدون وألف ليلة وليلة.

فهذا الموقف المنافح عن اللغة العربية الفصحى, من قامة فكرية بحجم عبدالله العروي, يعني بطبيعة الحال خطورة القضية ومقدار أهميتها على مستقبل المواطن المغربي, فالعروي حين عارض فكرة (لغة مغربية) فهو يدرك جيدا مقدار الكلفة التي ستؤدي إلى قطيعة مع العالم العربي ومع موروثنا الثقافي وأدبنا الرفيع, وقد ضرب مثلا باللغة التركية التي استخدمت العامية المتحولة مما تسبب في عدم مقدرة أتراك اليوم على فهم خطب مؤسس دولتهم ولغتهم الحديثة (كمال أتاتورك).

يعتبر العروي من أصلب المدافعين عن اللغة العربية الفصحى في المغرب, فهو يعلم جيدا بأن اللغة مسألة مصيرية مرتبطة بمصير مجتمع بأكمله, ويعلم أيضا بأنه لا يوجد أي ارتباط بين أزمة التعليم في المغرب وبين اللغة العربية الفصحى, فكل دول العالم تعيش بشكل أو بأخر أزمة في قطاعات التعليم, وحسب رأيه فإن العامية المغربية ليست لغة علمية فهي مجرد لغة فلكلورية شفوية من الصعب كتابتها.

لا شك لدينا بأن العروي استطاع أن يفكك دعوى عيوش المتهافتة ويكشف ما فيها من عوار وضعف, وقد بين موقفه الثابت والقوي من اللغة العربية الفصحى بشكل أكبر في كتابه (ثقافتنا في ضوء التاريخ) الذي عكس ثقة العروي في لغته وما تحمله من قواعد وضوابط وآليات تعطيها القدرة على الانبعاث لاستعادة وهجها المعهود وعبقريتها في صياغة الحضارة كما كان في العصور العربية المشرقة.