الموعظة في أصلها حسنة والوعظ في أصله وسيلة وأداة لتحقيق الخير وحمل الناس عليه بالترغيب قبل الترهيب ، لكن هل ما تزال الموعظة حسنة والوعظ يحمل الناس إلى الخير ؟

لو تأملنا قليلاً في الوعظ كخطابِ ثقافي له مكانته في الخارطة الاجتماعية لوجدناه خطاب مُكرر يحمل مكارثية تجاه المجتمع والمجتمعات الأخرى ، مكارثية ذلك الخطاب “الوعظ” ليست أصلاً بل تطفل فالأصل الحُسنى والتطفل مرض فما سببه يا تُرى ؟

سبب ذلك المرض هو الفكر الذي يقوم على مناهضة المجتمع وحِراكه الطبيعي ويقف موقف الضد من الإختلاف النوعي والفكري ، يقوم ذلك الفكر على أدبيات الإسلام السياسي التي هي من تفكير بشر آرادوا للمجتمعات والأوطان الموت والإنهيار في سبيل تحقيق فكرة الخرافة “الخلافة” على أرض الواقع وطاعة الواعظ المُقدس الذي يطمح لأن يكون ممثلاً لله على سطح الأرض .

طاعة الواعظ تعني تأجير العقل والتسليم والإنقياد لمن يُداعب المشاعر بكلماتِ ركيكه لا تغفل عن إستدعاء الجنس وإحتضان الحور العين بعد الهلاك في سبيل تلك الشياطين البشرية ، المجتمع قدم الواعظ بعدما آمن أن ذلك النوع من البشر يمتلك قدرات خارقة فصنع منه راقي وفقيه وإمام يؤم الناس في الصلاة والقائمة تطول ، منظري الإسلام السياسي والمؤمنين به كحلِ لأمراض المجتمعات جيروا الوعظ لمصلحتهم فجنوا الشهرة والمال وشوهوا الدين وحالوا بين الفرد وربه قبل مجتمعه ، لم يكتفي الوعاظ برمي الشباب بجحيم الصراعات بل تعمقوا حتى وصلوا إلى تفسير النصوص القرآنية بما يوافق هواهم وهنا أصل المشكلة فهم يدركون أن للدين تأثير وللتدين قيمة في المجتمعات السطحية ، حرم الوعاظ الحلال سداً لذرائعِ مبتكرة وجعلوا المرأة شيطانُ رجيم خوفاً منها لا عليها فلا تكاد تمر موعظة دون ذكر إسم ذلك الكائن المُستضعف ، لو تأمل عاقل في تفاصيل مواعظنا لو جدها مواعظ سيئة لا تُقدم للمتلقي سوى الهم والكدر والعنف المُعلب والظُلم فلا هيّ تشجعه على البناء واحترام خيارات الأفراد والتحلي بالخُلق الحميد ولا تحثه على الإسهام في الجهاد الوطني عبر التعلم واحترام النظام العام والوقوف بوجه أعداء الوطن ، تلك المواعظ لم تعد حالة طارئة كما يعتقد البعض بل هيّ حالة متجذره فهناك ما يدعمها من كُتيبات وملتقيات وقنوات وبرامج جعلت من المجتمع شيطانُ رجيم يجب التصدي له بأقذع العبارات وأنواع التحريمات ، فلماذا بعد كل ذلك نقول عنها موعظة حسنة والسوء يترعرع بين جنباتها ؟..