العدل حياة.. مقولة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.. والعدل أساس الملك مقولة ابن خلدون رحمه الله.. عبارات مؤجره ولكنها بليغة المعنى والدلالة..

ولا يتصور في عالمنا المعاصر إقامة عدل دون وجود جهاز مختص يتولى اقامته؛ ولذلك فقد أولت المملكة منذ نشاءتها مرفق القضاء اهتمامًا خاص باعتباره أحد السلطات الثلاثة الرئيسية؛ ولكون القضاء المستقل العادل احدى أهم أسباب الاستقرار السياسي والأمني لكل مجتمع وسبب في تحقيق التنمية البشرية والاقتصادية؛ مما يؤدي بالتبعية إلى زيادة الاستثمار وتنويع مصادر الدخل وتحقيق العدالة في توزيع الموارد ولكون المملكة احدى أكبر اقتصاديات العالم اليوم..

وتماشيًا مع ما تشهده من تطور في شتى المجالات ومع الانفتاح الاقتصادي على الأخرين؛ فقد أصدرت العديد من الأنظمة والقوانين ولعل أبرزها ما كان في الجانب القضائي؛ حيث أخذت بمبدأ التخصص القضائي ونص النظام على إنشاء ” محاكم عماليه ..وتجاريه وأحوال شخصيه وجزائية وعامه ومروريه “، وذلك لضمان سرعة الإنجاز وتحقيق الجودة في الأحكام…

صحيح أن النظام الأساسي للحكم في مادته السابعة جعل الشريعة الإسلامية مصدرًا أساسيًا لجميع الأنظمة المطبقة في المملكة، وهذا لا خلاف عليه فالشريعة الإسلامية صالحه لكل زمان ومكان وتسع لحل كل المسائل المستجدة.

بينما حدد النظام في المادة (31-5) من نظام القضاء شرط تعيين القضاة، وهو : أن يكون حاصل على شهادة احدى كليات الشريعة بالمملكة أو شهادة أخرى معادله لها؛ بشرط أن ينجح في الحالة الثانية في امتحان خاص يعده المجلس الأعلى للقضاء؛ ويلاحظ هنا أن المادة لم تذكر الشهادات المعادلة على سبيل الحصر، مما يتيح لحملة الشهادات الأخرى من كليات الحقوق والأنظمة لفرصه لتولي القضاء متى اجتاز الامتحان المعد من قبل المجلس الأعلاء للقضاء..

والقول بأن المقصود بكلمة ما يعادلها تخصصات أصول الدين أو الفقه ونحوها لا يسنده دليل قطعي وعليه فانه لا يوجد في النظام ما يمنع صراحة من تعيين خريج اقسام الأنظمة والحقوق في السلك القضائي.

ولعل مجلس الشورى كان له السبق في إدراك أهمية ذلك؛ ومنه كانت التوصية المقدمة من الدكتورة حنان الاحمدي والمتمثلة في “تمكين خريجي القانون من العمل في سلك القضاء.. “، وكل من تابع الجلسة أثناء مناقش التوصية شاهد كيف كادت أن تمر وتحصل على الأصوات المطلوبة؛ حيث حصلت التوصية على تأييد عدد(72)صوت، في حين عارضها عدد(49)صوت، بينما المطلوب لتمريرها عدد(76) صوت؛ بمعنى أن الفارق كان ضئيل جدًا؛ وهو عدد 4 أصوات فقد وقد أكدت مداخلات الأعضاء على التوصية بأن خريجي أقسام القانون هم الأنسب لتولي القضاء المتخصص.

ومعلوم لدى الكل ما يميز أبناء المملكة عن غيرها؛ من حيث التنشئة على مبادئ الشريعة الإسلامية فخريج اقسام الأنظمة هو في الأصل ابن المجتمع السعودي المحافظ الذي تربى على تعاليم الإسلام الصحيحة في المنزل، مرورًا بجميع المراحل التعليمية الابتدائي والمتوسط والثانوي والمرحلة الجامعية والتي دراسة المواد الشرعية فيها أساسية والزامية والتي ربما عادلت مجتمعه ما تدرسه كليات الشريعة في بلدان أخرى، فضلا عن ما تدرسه كليات القانون من مواد شرعيه ( الفقه والمواريث والوصايا والوقف والملكية ونظام الاسرة والاحوال الشخصية والاقتصاد الإسلامي والمعاملات المالية).

إضافة إلى المواد الأخرى لذا فان التأسيس الشرعي موجود لديهم .. وقد اثبت خريجي القانون كفائتهم في الهيئات واللجان شبه القضائية المنتشرة في المملكة والتي يقارب عددها المئة ويزيد عمر بعضها على 40 عاما.

وهنا تكون المصلحة العامة مقدمه على كل اختلاف، فالرأي مالم يكن محسوم بنص شرعي ومواكبة التقدم والتطور ضرورة لتحقيق التنمية المستدامة لذا فان إعادة مناقشة التوصية يصبح في مثل هذه الحال ضرورة حتميه، وكلنا أمل أن تحظى هذه التوصية بدعم من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بصفته صاحب رؤية المملكة 2030، وأكثر المسؤولين علمًا بما تحتاج المنظومة القضائية من تطور لتحقيق اهداف الرؤية وبذات الوقت هو خريج قسم القانون ويعلم مدى توافق ما يدرس من مواد وانظمه الاحكام الشريعة ومقاصدها وكذلك دعم معالي رئيس المجلس فضيلة الشيخ عبدالله ال الشيخ بصفته الحالية وبصفة وزير للعدل سابقا وأعلم بحاجة القضاء للتخصص وقبل ذلك هو أستاذا للفقه.