لطالما شكل ذلك الكائن الغريب خطراً على التنمية والكفاءة والنزاهة ولطالما عبث بالمقدرات والخيرات ولطالما ساهم في تدمير القدرات الوطنية بإسم الواسطة والرشوة ، الفساد مرض يُصيب التنمية بالشلل يُدمر البنية التحتية ويُبدد المال العام ويُصيب الاقتصاد الوطني بالركود ، في السابق كانت مكافحة ذلك الداء تبدأ من الأسفل وتتوقف هناك لا تقترب من الأعلى رغم محاولات التقدم فعبارة كائناً من كان لم تشفع للجهات الرقابية أن تقوم بدورها على أكمل وجه ، تعددت الجهات الرقابية الإدارية والمالية وأستشرى الفساد حتى أصبح المنصب وكُرسي المسؤولية محطة للتزود بالمال والممتلكات بغير وجه حق ، لم يخشى المسؤول من تلك الجهات التي تعمل بلا تنسيق ولم يخشى من الصحافة فهي مشغولة بما ليس بمهم في قاموسها الصحفي ، مدن تعاني من سوء تخطيط وأخرى ينقصها الكثير والكثير من الخدمات والمنشآت الصحية والتعليمية وإقتصاد يعاني من مصروفات تجاوزت حجم الإيرادات ومشاريع وهمية ولدت من رحم المصالح الشخصية ، كل ذلك كان لكنه اليوم لم يعد كائناً فكائنُ من كان وقع بقضبة الحزم والحسم ولا مناص من المحاسبة وإسترداد المال العام ، في إحدى تصريحاته قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كلمة لم يلقي لها الفاسد بالاً قال “لن ينجو أحد تورط في قضايا فساد إذا توفرت الأدلة ” قال ذلك وهو قد بدأ بالفعل في عملية البحث والتقصي ومراجعة قوائم المشاريع والممتلكات قالها وهو يُدرك تماماً أن الوطن لا يمكنه التقدم وتحقيق طموحات أبناءه والفساد ينخر جسده قالها وهو يعلم علم اليقين أن الاستثمارات الأجنبية بحاجة لإصلاحِ قضائي وبيئة مُشجعة خالية من الفساد بشتى صورة المالية والإدارية قالها وهو عاقدُ العزم على إعادة المال العام لخزينة الدولة قالها وهو مؤمن بأن المال العام ليس مُلكاً لفئة تبدده كيفما شاءت وتأخذ منه ما تشاء بلا وجه حق ، في مساء إحدى الأيام أُعلن عن إنشاء لجنة عليا لمكافحة الفساد ضمت جهاتِ رقابية وقضائية للتقصي وإستدعاء كل من توفرت ضده الأدلة سواءً كيانات أو أشخاص ، بعد ساعاتِ من إنشاء تلك اللجنة أُعلن عن أسماء مُدانه ، في البداية لم يُصدق المجتمع ما حدث فقد كان ينتظر ذلك بفارغ الصبر وكان يحلم برؤية كائناً من كان فلقد رأى المجتمع كائناً من كان وأستوعب كل مسؤول الرسالة ووضع كل فاسد يده على قلبه فعجلة الملاحقة ستتوقف عنده وتوقفها لن يكون بسبب الخوف بل لجره إلى التحقيق والمساءلة ليُصبح بعدها أمام خيارين إما القضاء أو التسوية .

عمليات التسوية التي تقوم بها اللجنة العليا لمكافحة الفساد مع الموقوفين على ذمة قضايا فساد لم تُعجب بعض من لا يعجبه شيء ، فهي ليست ضد العقل وليست ضد الشرع وليست ضد مفاهيم مكافحة الفساد التي تُركز على تحقيق العدالة وحفظ الحقوق وليس التشفي والانتقام ، التسوية تعني مراعاة العلاقات الاجتماعية والعائلية للموقفين وتعني مراعاة الكيانات الإقتصادية القائمة لتستمر في أعمالها وفي هذا جانب إقتصادي ووظيفي بالغ الأهمية ، التسوية المالية مع الموقوفين لا تعني عدم المحاكمة فالمحاكمة إجراء أخر وللجنة العليا إستثناء ما تراه من أنظمة وتعليمات ولها الحق في عمل ما تراه مُحققاً للمصلحة العامة وهي تقوم بذلك عبر التسوية وتقديم ملفات الإدانة لمن يتهرب من جرائم الفساد التي أرتكبها بحق الدولة والمجتمع تهميداً للمحاكمة في حال تعثرت محاولات التسوية بأي شكلِ من الأشكال .

السعودية تعيش ربيعاً مختلف هذا ما كتبته الصحافة الأجنبية عنها نعم إنها تعيش ربيعاً مختلف وذلك الكائن الغريب “الفساد” لم يعد قادراً على الإختباء أو الاختفاء فنحنُ بعصر الحزم والحسم لمن جانب الصواب ولين الجانب لمن سلم وأهتدى وقال أنني من المُذنبين .