كشف فتحي المراغي، رئيس وحدة الدراسات بمركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، أسباب اختلاف الموقفين الأوروبي والأمريكي تجاه الاتفاق النووي الإيراني.

وقال المراغي في تحليل نشره على الموقع الرسمي للمركز: “ تباعَدَ الموقف الأوروبيّ عن الموقف الأمريكي فيما يتعلق بالاتِّفاق النووي الإيرانيّ، فمنذ الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكيّ ترامب تعلن أوروبا تَمسُّكها بالاتِّفاق النووي المبرم مع إيران، وترفض كل المطالب الأمريكيَّة بتعديله.

وتابع: ” لقد تَولَّت القيادة الأوروبية، متمثلة ببريطانيا وفرنسا وألمانيا، التفاوض مع إيران نيابة عن المجتمع الدولي حتى عام 2006م، إذ أعلنت أن المفاوضات مع إيران وصلت إلى طريق مسدود، واتفقت تلك القيادة الأوروبيَّة حينها على ضرورة إحالة الملفّ إلى مجلس الأمن تمهيدًا لفرض عقوبات على إيران، وبالفعل عُقد الاتِّفاق النووي بمشاركة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، إلا أن الدول الأوروبيَّة وعلى رأسها فرنسا لا تزال رغم ذلك متفقةً مع الولايات المتَّحدة في مخاوف ما بعد انتهاء مُدَّة الاتِّفاق النووي، مُقِرةً بأن الصواريخ الإيرانيَّة تمثِّل تهديدًا لأمن واستقرار المنطقة ” .

وأضاف المراغي: “ لا شكّ أن هذا التغيُّر في الموقف الأوروبيّ من الاتِّفاق النووي الإيرانيّ، راجع إلى الرؤية الأوروبيَّة لمستقبل الطاقة على مستوى العالَم، ومستجَدَّات العلاقات الأوروبيَّة- الأميركيَّة في عهد ترامب، فإذا تَخيَّلنا وضع خريطة الدول المنتجة للنِّفْط والغاز على مستوى العالَم في عام 2026م فسنجد أن أوروبا وَفْقًا لحسابات الاحتياطي والإنتاج الحالي سيكون النِّفْط قد نضب فيها تمامًا بانتهاء احتياطي بريطانيا والنرويج، وستتبعها الصين والمكسيك، بمدة لا تزيد على 3 سنوات، ولن يكفي الاحتياطي الروسي إلا عشر سنوات تالية. كل هذه التغيُّرات في خريطة الطاقة العالَمية سوف تحدث تِباعًا خلال مُدَّة لا تتجاوز عشرين عامًا ” .

وأردف: “ حينها سيرتفع سعر النِّفْط الأمر الذي سيؤثر بلا شكّ على معدَّلات التنمية في أوروبا، وسيغطي النقص عن طريق النِّفْط الصخري الأميركيّ المرتفعة تكلفة استخراجه، أو الدول الأخرى التي لا يزال حجم إنتاجها لا يتناسب مع ضخامة الاحتياطي لديها سواء في النِّفْط أو الغاز. إن إيران هي ثاني دولة في العالَم لا يتناسب حجم إنتاجها مع ضخامة احتياطياتها من النِّفْط والغاز بعد فنزويلا، بمعنى ضخامة الاحتياطي مع محدودية الإنتاج، إذ يبلغ الاحتياطي النِّفْطي الإيرانيّ 157 مليار برميل، وحجم الإنتاج اليومي 4 ملايين برميل، مِمَّا يضمن استمرار استخراج النِّفْط الإيرانيّ لمدة 112 سنة ” .

وأكد أن “ هذا ما يصيب الاقتصاد الأوروبيّ بضربة قاصمة، ويزيد القدرات الاقتصادية الأميركيَّة؛ لأنها ستزيد استغلالها للنِّفْط الصخري الذي ظهرت تقديرات حديثة لاحتياطي الولايات المتَّحدة منه بـ264 مليار برميل ينتظر معظمها ارتفاع أسعار النِّفْط لتغطي تكلفة استخراجها العالية ” .

وتساءل المراغي: “ هل يمكن أن تضحي أوروبا بأمنها على المستوى البعيد في ظلّ وجود بدائل متعلقة بالطاقة- وإن كانت محدودة- مقارنةً مع خيار النِّفْط والغاز الإيرانيّ؟ لا شكّ أن الدبلوماسية الإيرانيَّة قد لعبت دورًا كبيرًا في طمأنة دول الاتِّحاد الأوروبيّ من مخاطر البرنامجين الإيرانيّين النووي والصاروخي، خصوصًا في ظلّ المغريات المتعلقة بخطط مستقبل الطاقة والعقود السخية التي نالتها الشركات الأوروبيَّة وعلى رأسها توتال الفرنسية، لتهميش ضغوط ترامب على الاتِّحاد الأوروبيّ ودعوته إلى المشاركة في تكاليف الدفاع، وإعادة توزيع أعباء ميزانية حلف الناتو.