أكد إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الشيخ عبدالباري بن عواض الثبيتي، أن الأماني وحدها لا تكفي ليبلغ العبد مرامه، ويحقّق أحلامه، فحياة بلا عمل غرقٌ في أحلام واهية يزيّنها الشيطان، وأن الفوز بالجنة يحصل بالعمل الصالح وعبادة الله وطاعته فينال العبد بها رضا الرحمن وجنته.

وقال في خطبة الجمعة في المسجد النبوي اليوم: كل أمنية تمنى لفعل الخير فهي ممدوحة، وما كان منها اعتراض على القدر وفي تحصيل المستحيل فهي مذمومة، التمني يدل على الهم الذي يحمله الإنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “والنفس تمنّى وتشتهي ” ، فهناك من يرنو بأمنيته إلى ذرى العزّ والمجد، وهناك من يهوي بأمنيته إلى مهاوي الحفر.

وأضاف: أصحاب الهمم والعزائم تتسع أمانيهم وبها تزين حياتهم، فبينما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجلس مع أصحابه يوماً، قال لهم: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل الله، ثم قال، تمنوا، فقال رجلٌ: أتمنى لو أنها مملوءة زبرجداً وجواهر، فأنفقه في سبيل الله وأتصدّق به، ثم قال عمر رضي الله عنه: تمنوا، فقالوا: ما ترى يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أتمنى لو أنها مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، وحذيفة بن اليمان.

وأردف: اجتمع في الحجر مصعب، وعروة، وعبدالله بن الزبير، وعبدالله بن عمر، فقالوا: تمنوا، فقال عبدالله بن الزبير: أما أنا فأتمنى الخلافة، وقال عروة: أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم، وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق، والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين، وقال عبدالله بن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة، فنالوا كلهم ما تمنوا، ولعلّ ابن عمر قد غفر له.

وتابع: عمر بن عبدالعزيز رافقته همّة عالية، تحققت له بفضل الله، ويرجى أن ينال آخرها، يقول رضي الله عنه: إن لي نفساً تواقة تاقت إلى فاطمة بنت عبدالملك فتزوجتها، وتاقت إلى الإمارة فتوليتها، وتاقت إلى الخلافة فأدركتها، وقد تاقت إلى الجنة فأرجو أن أدركها إن شاء الله عزّ وجل.

وقال إمام وخطيب المسجد النبوي: الأماني الطيبة من أبواب الثواب العظيمة، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أربعة رجال ” رجلٌ آتاه الله مالاً وعلماً، فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقّه، ورجلٌ آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فهو يقول لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما في الأجر سواء، ورجلٌ آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً فهو يخبط في ماله ينفقه في غير حقه، ورجلٌ لم يؤته الله علماً ولا مالاً فهو يقول لو كان لي مثل هذا عملت فيه مثل الذي يعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهما في الوزر سواء ” رواه ابن ماجه .

وأضاف: الأمنيات وحدها لا قيمة لها ما لم يصاحبها عمل صالح بنية صادقة، ومتابعة ومثابرة، لقول الله عزّ وجل ” وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ” .

وأردف: الأماني ضرب من ضروب الدعاء، تتحقّق بالاستجابة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا تمنى أحدكم فليستكثر فإنما يسأل ربّه ” رواه الهيثمي وقوله صلى الله عليه وسلم: ” إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته ” رواه أحمد .

وتابع بالقول: العاقل لا يتمنى الفتن ولقاء العدو، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا تمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية ” .

وقال ” الثبيتي ” : الإسلام يدعو إلى التفاؤل وبثّ الأمل والحياة، ولا يدعو إلى الموت والسلبية، ولا تليق به الأمنيات السوداء وتمني الموت وإن اشتدّت الفتن، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا يتمنيّنّ أحدكم الموت من ضرٍّ أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً، فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي” متفق عليه .

وأضاف: الأمنيات الفاضلة تعبّر عن حسن ظن العبد بربه، مورداً الحديث القدسي “أنا عند ظنّ عبدي، فليظنّ بي ما شاء”. رواه ابن حبان .

وأردف: العاقل ينسج أمنياته مستشعراً نعمة الله عليه، دون حسد لإخوانه، أو تمني ما في أيديهم، قال الله تعالى: “وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ” ، والمسلم يدرك أن تحقق الأمنيات يرجع إلى مشيئة الله وحده، فلا يتضجّر ولا يحزن لعدم تحقيق الأماني التي يتمناها، والخير فيما اختاره الله، ويشكر العبد ربه في ل أحواله، فقال الله تعالى: “وعسى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ” .

وتابع: إبليس هو مصدر الأمنيات الواهية، وقد تعهّد بالسعي لإغراق عباد الله في بحار الأماني الكاذبة في لذة عاجلة، وسعادة موهومة، كما يزيّن فيها للإنسان سوء عمله فيراه حسناً، قال الله تعالى: “وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا”.

وقال إمام وخطيب المسجد النبوي: أمنيات الإنسان إذا اقتصرت على ظاهر الدنيا، وخلت من الدار الآخرة، فقد تنكّب الطريق وضلّ عن سواء السبيل، إذا قال الله تعالى: “مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا”.

وأضاف: من كانت أمنيته تسبح في بحار الأحلام يقظة ونوماً بلا عمل، وأحاط جسده بالكسل، فلن يجني إلا السراب، عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله”.

وأردف: من يسلك السبل المحرّمة لتحقيق الأماني باللجوء إلى السحرة والمشعوذين فقد ظلم نفسه، قال صلى الله عليه وسلم: “من أتى كاهناً أو ساحراً فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد” رواه الطبراني، والقبور التي تبدأ فيها حياة البرزخ ترد فيها أشدّ الأمنيات حرجاً، فأمنية المؤمن في قبره أن تقوم الساعة لما يرى وينتظره من النعيم والسرور، أما الكافر فأمنيته في قبره ألا تقوم الساعة لما يرى وينتظره من العذاب الأليم.

وتابع: الميّت يتمنى العودة للحياة، لإدراك ما فات من الطاعات، وليصلي ولو ركعتين، وذكر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مرّ بقبرٍ فقال: “من صاحب هذا القبر؟ فقالوا: فلان، فقال: ركعتان أحبّ إلى هذا من بقية دنياكم”.

وقال “الثبيتي”: الموتى يتمنون الرجوع إلى الدنيا ليتصدّقوا، وليذكروا الله ولو بتسبيحة واحدة، أو بتهليلة واحدة، فقد قال تعالى في شأنهم “أنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول ربّ لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدّق وأكن من الصالحين”.

وأضاف: الأمنية المؤلمة التي لا محيد عنها، نداء الحسرة لأهل العذاب يوم القيامة، فالكافر العاصي حينما يأخذ كتابه بشماله، ويرى مصيره، يتمنى لو كان تراباً: “ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا” وقوله جل وعلا: ” ِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا”.

وأردف: أشرف موقف في رحلة الأمنيات، ما يناله أهل الجنة من نعيم الأمنيات وربّهم يجود عليهم ويزيدهم بكرمه، فأقلّ أهل السعادة منزلة هو آخر أهل الجنة دخولاً إليها، إذ يدخل الجنة وقد انفهقت له وتزيّنت، فيقول له ربّه: تمنّ، فيتمنى العبد ويتمنى، حتى إذا انقطعت به الأماني، قال الله له: “لك الذي تمنّيت وعشرة أضعاف الدنيا ” .