قال الشيخ الدكتور فيصل غزاوي، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن ” النعم التي أنعم الله بها على جميع بني آدم هي في قوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً} ” .

وأضاف ” غزاوي ” في خطبة الجمعة التي اليوم بالمسجد الحرام: ” يُستخلص من هذه الآية الكريمة أشياء كرّم الله بها بني آدم؛ فمن وجوه التكريم التي خصهم الله بها: خلقهم على هذه الهيئة في امتداد القامة وحسن الصورة قال سبحانه: {وصوركم فأحسن صوركم} الآية، وقال عز وجل: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}، وقال سبحانه: {الذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ما شاء ركبك}، ومن وجوه التكريم التي خُصوا بها: النطق والتمييز والفهم والعقل، قال تعالى: {فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما أنكم تنطقون}، وقال تعالى: {فجعلناه سميعا بصيراً}، وقال سبحانه: {ألم نجعل له عينين، ولساناً وشفتين، وهديناه النجدين}، وقال عز جاهه: {إن في ذلك لآيات للعالمين}، وقال جل ثناؤه: {قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون} ” .

وتابع: من وجوه تكريمهم؛ ما ذكره الله تبارك وتعالى في قوله: {وحملناهم في البر والبحر}، حملهم في البر على ظهور الدواب من الإبل والبغال والحمير والمراكب البرية وفي البحر في السفن والمراكب.
وأوضح: أن من وجوه تكريم بني آدم المستفادة من قوله: {ورزقناهم من الطيبات}، تخصيصهم بما خصهم الله به من المطاعم والمشارب والملابس والمناكح؛ فما من طيب تتعلق به حوائجهم إلا وقد أكرمهم الله به، ويسّره لهم غاية التيسير بفضله، ولم يجعله محظوراً عليهم؛ بل قد أنكر على من تَعَنّت وحرّم ما أحل الله من الطيبات: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق}؛ أي من هذا الذي يقدم على تحريم ما أنعم الله به على العباد؟ ومن ذا الذي يضيّق عليهم ما وسّعه الله، ومن وجوه التكريم ما ذكره الله سبحانه بقوله: {وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً}؛ بما خصهم به من المناقب، وفضّلهم به من الفضائل التي ليست لغيرهم من أنواع المخلوقات.

وتابع: هذا التكريم الذي امتنّ الله به على بني آدم؛ يستوجب شكر المنعم سبحانه وتعالى؛ فعلينا عباد الله أن نقوم بشكر المنعم خالقنا ورازقنا، الذي أولانا النعم، ودفع عنا النقم، ولا تحجبنا النعم عن المنعم؛ فنشتغل بها عن عبادة ربنا؛ بل علينا أن نتلقاها بالشكر ونحذر كفرانها أو الاستعانة بها على معاصيه، والإنسان قد ينسى ما رزقه الله من الطيبات لطول الإلف؛ فلا يذكر الكثير من هذه الطيبات التي رزقه الله إلا حين يُحرَمها؛ فعندئذ يعرف قيمة ما يستمتع به.

وقال “غزاوي” الأمة المحمدية تختص بكرامة خاصة فوق التكريم العام الذي يشترك فيه بنو آدم؛ فقد صح عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله تبارك وتعالى) رواه أحمد؛ أي أنكم معشر الأمة المحمدية الإسلامية تتمون وتكملون عدد سبعين أمه سبقت قبلكم لا يعلمها إلا الله، وقوله (أنتم) الخطاب للصحابة ومَن على منهجهم أو المراد مجموع الأمة فهم خيرها وأفضلها وأكرمها على الله، وأشرفها لديه، ويظهر هذا التكريم في أعمالهم وأخلاقهم وتوحيدهم ومشاهدهم يوم القيامة ثم منازلهم في الجنة.
وأردف: حتى يحقق المرء التقوى فعليه باستصلاح قلبه؛ إذ هو محل التقوى وأول ما يجب أن يُعنى به؛ حتى يستقيم على ما ينبغي أن يكون عليه؛ فقد جاء في الحديث المتفق عليه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) متفق عليه.

وأضاف: الله عز وجل قد قضى بأن التفاضل بين الناس إنما هو بالتقوى قال سبحانه: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}؛ فمن تلبّس بلباس التقوى فهو المستحق لأن يكون أكرم ممن لم يتلبس بها وأشرف وأفضل؛ فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة؛ فقال: يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها؛ فالناس رجلان؛ بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هيّن على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب قال الله: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}، وعن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحسب المال، والكرم التقوى)؛ أي الشيء الذي يكون فيه الإنسان عظيم القدر عند الناس هو المال والذي يكون به عظيماً عند الله هو التقوى؛ فتبين عباد الله مما مضى أن على المسلم أن يسعى جاهداً في المحافظة على كرامته الإنسانية التي خصه الله بها، ويزيد على ذلك بأن يُكَرّم نفسه بتقوى الله وهي الكرامة الخاصة.

وتابع: وسائل استصلاح القلب كثيرة؛ منها قراءة القرآن وكثرة الدعاء والتضرع إلى الله أن يهبه قلباً خاشعاً منيباً، والصدقة وكثرة أعمال البر والإحسان وكثرة الاستغفار ومصاحبة الأخيار.

وقال ” غزاوي ” : إذا أردنا أن نرتقي في مراتب الكرامة ونسمو في مدارج العز والشرف؛ فعلينا بتقوى الله والعمل بطاعته واجتناب نواهيه؛ خشية أن يفقد المرء الكرامة ويبقى ذليلاً مهاناً {ومن يهن الله فما له من مكرم}.

وأوضح أن اقتراف المعاصي واتباع الهوى والغفلة والانحراف عن الصراط المستقيم لا يتوافق مع تكريم الله لبني آدم، ولا يتناسب مع شرف المؤمن وعزه؛ بل من التكريم أن يكون الإنسان قيماً على نفسه، متحملاً تبعة اتجاهه وعمله.