أماطت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ممثلة في برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري اللثام عن أسرار تاريخ أحد أهم الموانئ الرئيسة لمكة المكرمة في مدينة ” السِّرَّين ” خلال الفترة من القرن الثالث الهجري إلى القرن الثامن الهجري، ويحتوي على العديد من الكنوز الأثرية التي تتحدث عن حقب تاريخية تعود إلى عصر ما قبل الإسلام.

وتقع مدينة “السِّرَّين” في السهل الفيضي لوادي ” حَلية ” الشهير أو ما يعرف حالياً بوادي (الشاقة الشامية) عند مصب الوادي في البحر، ويقع في جنوبها مصب وادي “عِلْيَب” أو ما يعرف حالياً بوادي ” الشاقة اليمانية ” ، وجاءت تسميتها بـ “السِّرَّين” نسبة إلى هذين الواديين، حيث يمثلا ” حلية و ” عليب ” أشهر وأخصب أودية مكة المكرمة، ويطلق سر الوادي على (أطيب موضع فيه)، وأرض ” السِّرَّين ” أرض خصبة زراعية يكثر بها المرعى وماء آبارها وفيرة.

ويعود إنشاء ميناء مدينة ” السِّرَّين ” إلى عصر ما قبل الإسلام، بحسب ما ذكرت كتب التراث العربي، وكانت المدينة من أهم المواقع الحيوية والاقتصادية النشطة خلال الفترة من القرن الثالث الهجري حتى القرن الثامن الهجري، وتقبع المدينة حاليًا جنوب مكة المكرمة بحوالي (245كلم)، مبتعدة عن محافظة جدة (220كلم)، وتتبع إدارياً مركز ” الشواق ” التابع لمحافظة الليث الذي يبعد عنها (45كلم) شمالاً، ويمتد ميناء المدينة بطول (4 كلم) .

ويمتاز الموقع بإطلالة بحرية غاية في الجمال وشواطئ رملية ناعمة، بينما ينتشر حول الموقع هواة المقناص و ” الصقارة ” الذي يجدون في المكان متعتهم.

ويحيط بميناء مدينة ” السّرّين ” سور من السياج الحديدي شيدته الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني للحفاظ على ما يحتويه الموقع من قطع أثرية، بطول (1500م) وعرض (700م)، ويطل الموقع على خليج جنوبي يحمي المرفأ نسبيا من الرياح الشمالية القوية .

ويحتوي الموقع على كثبان رملية رجح المؤرخون وجود أبنية حجرية أسفلها, وجزء من سور لبناء حجري يحتمل أن يكون الجامع أو قلعة السرين الأثرية، وباقي السور مطمور بالرمال وهو بحاجة إلى عمليات تنقيب آثرية، ويلاحظ أن أثار وأساسات المباني الحجرية في مدينة ” السّرّين ” قليلة مقارنة بغيرها، ويعود السبب الرئيس في ذلك إلى أن أغلب بيوت سكانها كانت من ” العُشاش ” أو ” الصنادق ” و ” الصَبِل ” المبنية من الخشب والحشائش، وهو ما يتناسب مع طبيعة أرض تهامة.

ويلفت انتباه الناظر عند تجوله بموقع ميناء مدينة ” السّرّين ” العدد الكبير لكسور قطع الأواني الفخارية والطينية والزجاجية المتعددة الأشكال والأحجام والألوان والتي تملئ أرضه، إضافة إلى كسر من قطع (السيلادون) وهو نوع من الخزف الصيني كان يستورد في عصر أسرة (سونغ) و(تونغ) الصينيتين التي توازي فترة العصرين الأموي والعباسي قبل ألف عام .

وماتزال أطلال ميناء مدينة ” السِّرَّين ” ماثلة للعيان شاهدة للمكانة العظيمة التي وصلت إليها هذه المدينة سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الحضارية أو العسكرية التي مكنتها من لعب أدواراً مهمة وأساسيه في الأحداث التي شهدتها المنطقة، وحرياٌ بنا أن نبحر في تاريخ هذه المدينة الجميلة والعظيمة بمكانتها ومقدراتها وإنسانها، بفضل ما حبها الله من نعم وخيرات ميزها عن غيرها من وفرة المياه وبأوديتها واتساع رقعة الأرضي الخصبة الزراعية حولها، واحتوائها على الشواطئ الرملية البكر الجميلة.

ويمتاز موقع مدينة ” السِّرَّين ” الاستراتيجي أنه يمثل أقرب نقطة التقاء لأربعة مناطق إدارية مهمة بالمملكة مهمة تمثل: منطقة مكة المكرمة والباحة وعسير، ووقوعها بالقرب من الخط الدولي جدة ومنطقة جازان وجمهورية اليمن، كل ذلك يمكنها من أن تقوم بدورها في تنمية المكان والإنسان ودعم الاقتصاد الوطني .