أهم ميزة تميز عصر الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان, وأبرز مظهر حضاري انفرد به هذا العصر, أنه كان عصر التعريب, وربما كان تعريب الدواوين أعظم حدث ثقافي وسياسي بعد جمع القرآن, وهي خطوة حضارية هامة ساهمت في سرعة انتشار اللغة العربية في البلاد المفتوحة.

وحركة التعريب الكبرى التي قادها عبدالملك بن مروان وأشرف عليها بنفسه والتي شملت: تعريب النقود وتعريب الطراز والقراطيس والوثائق الرسمية وتعريب دواوين الخراج, كان لها دور هام في تحرير الاقتصاد الإسلامي من تبعية الدول الأجنبية, وتأكيد كيان الدولة واستقلاليتها من خلال صبغها بالصبغة العربية الخالصة. ويعد هذا عاملاً مهماً في توحيد ثقافة المجتمع ونشرها, فهي لذلك مرحلة حاسمة من مراحل التطور الحضاري في شتى المجالات.

ومن أهم النتائج التي ترتبت على تعريب الدواوين من حيث مستقبل الثقافة الإسلامية, أن أصبحت اللغة العربية الأداة الوحيدة للتخاطب ولتبادل الآراء والأفكار في العالم الإسلامي الذي كان يمتد آنذاك من حدود الهند والصين إلى سواحل المحيط الأطلسي.

وبذلك لم يكد ينصرم القرن الأول الهجري حتى كانت العربية قد عمت أهل فارس والعراق والشام ومصر وغلبت الفارسية والرومية والقبطية, اللائي أخذن في التضاؤل والاضمحلال حتى الزوال.

لقد أدرك عبدالملك بن مروان أن اكتمال السيادة العربية لا تتم إلا بعد القضاء على كل المظاهر الأجنبية وتحرير الثقافية العربية من التأثيرات الأجنبية المتمثلة بالفرس والبيزنطيين, فقد كان مقتنعاً أنه آن للعربية تكون اللغة الرسمية الوحيدة في المراسلات بعد أن انتشرت هذا الانتشار الواسع في البلدان المفتوحة.

إن بقاء اللغات الأجنبية واستعمالها اليومي في أعمال الدواوين والخراج يعني بطبيعة الحال بقاء الموظفون من غير العرب أو من غير المسلمين مما يؤدي لمزاحمة هذه اللغات للغة العربية, ولكن بعد أن أصبحت العربية هي لغة الدواوين والمعاملات الإدارية, نتج عن ذلك تقلص دور أهل الذمة من غير العرب.

ثم أن الأعاجم (مسلمين وغير مسلمين) أقبلوا على تعلم اللغة العربية بعامل المصلحة الذاتية, وذلك للانتظام في أعمال الكتابة والخراج وما يتصل بهما, ولسهولة التقاضي في المنازعات التي ينظر فيها قضاة عرب بالتأكيد.

فلا يخفى علينا دور الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان ومجهوداته في حفظ اللغة العربية وسيادتها وتعزيز مكانتها بين اللغات الأجنبية وهي أكبر مقومات الثقافة العربية, فصارت العربية لغة الإدارة والثقافة فضلا عن كونها لغة السياسة والدين والعلم, وأصبحت أداة التفاهم اليومي في كل أقاليم الدولة.