” معلومات وأرقام غير دقيقة ومضللة ” .. هكذا جاء محتوى التقرير السنوي الصادر عن الأمم المتحدة بشأن اليمن، واتهامه لتحالف دعم الشرعية، الذي تقوده المملكة، مسؤول عن جرائم بحق الأطفال هناك.

زعم التقرير أن ” التحالف ” مسؤول عن 683 حالة إصابة لأطفال، في مقابل مسؤولية الحوثيين وميليشياتهم عن 414 إصابة العام الجاري (2017)، بما يعني تحميل المملكة وحلفائها من داعمي الشرعية ضد الانقلاب مسؤولية الانتهاكات الحقوقية والأوضاع الإنسانية المأساوية في اليمن، بحسب مراقبين.

وفق هذه الأباطيل، تحول الجاني إلى ضحية، ونصير المظلوم إلى قاتل، حتى بات ” دعم الشرعية ” ضمن قائمة سوداء، تضم أنصار الحوثي وتنظيمي داعش والقاعدة، وتتناقض مع اعتراف التقرير ذاته بتحسن كبير في إجراءات التحالف لحماية الأطفال اليمنيين !

كيف اجتمع النقيضان في محتوى واحد؟ تصريح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بشأن ” هدف إصدار التقرير ” تقدم مقاربة الإجابة على هذا السؤال.

قال أمين الأمم المتحدة إن الهدف من هذا التقرير السنوي هو ” حض الأطراف المتحاربين على اتخاذ إجراءات للحد من عواقب النزاعات على الأطفال ” ، بما يعني توجيه المحتوى من سياقه الحقوقي الطبيعي إلى آخر سياسي بهدف ” الضغط ” على مختلف أطراف الأزمة اليمنية، ووضعها جميعاً على قدم المساواة، وفي صورة المنتهك المجرم، أمام المجتمع الدولي.

وإزاء هذا التسييس المتعمد للتقرير، يفترض أنه حقوقي بامتياز، اختفى تماماً مفهوم ” الشرعية ” التي طالما مثلتها مواثيق الأمم المتحدة، فصار من يقاتل لفرض سلطة انقلابية بقوة السلاح، ومن يقاتل، في المقابل، للدفاع عن الشرعية سواءً بسواء في ميزان غوتيريس الأعوج !

كثيرون من دبلوماسيي العالم عبروا عن تفاؤلهم بتسمية غوتيريس في بداية عهده، خاصة بعد إظهاره تقارباً مع ثقافة وقضايا شعوب المنطقة العربية والإسلامية، لكن يبدو أن ذلك لم يكن سوى ” صنعة الساسة ” التي لم يكن يجيدها سلفه، بان كي مون، ولذا قرر رفض إدراج مماثل لقائمة سوداء تم إرفاقه بالتقرير السنوي عن الأطفال والنزاعات لعام 2015.

ربما لم يكون ” كي مون ” بالفعالية المطلوبة، لكنه لم يستهدف تلوين التقارير لممارسة الضغط على مختلف أطراف النزاع اليمن دون النظر إلى شرعية أي منها.
وزارة التعليم اليمنية، الخاضعة لسلطة الانقلابيين، تحولت بفعل الانبطاح الأممي، إلى إحدى مؤسسات المجهود الحربي الحوثي، وورقة يستخدمها الانقلابيون عبر حرمان المناطق الموالية للشرعية من المساعدات الدولية، عبر إيقافها في نقاط التفتيش وتحويلها إلى مناطقهم، ما أجبر الكثير من الأهالي على إظهار موالاة القوى الانقلابية للحصول على المساعدات الإنسانية.. وإلا فالعقاب بمنع وصول تلك المساعدات هو البديل.

من هنا يمكن قراءة غياب التطرق بشكل مفصل في تقارير هذه المنظمات إلى اشكاليات ومخاطر ألغام الانقلابيين وتجنيدهم للأطفال ونقاط التفتيش التي تعيق مرور المساعدات وسرقتها والاحتماء بالمدنيين العزل وتفجير بيوت المعارضين واعتقال الصحفيين والانتهاكات البشعة التي تجري في سجون صنعاء، خاصة السجن المركزي.

فأغلب المنظمات الأممية تعتمد على شركات نقل وتوزيع في إيصال المساعدات، دون أدنى رقابة حقيقية، ما يصب في صالح الحوثيين، الذي حولوا أطناناً من أقوات الجوعى إلى ” تموين ” لعملياتهم العسكرية، في ظل موالاة أغلب ملاك الشركات، سالفة الذكر، لهم.

وبإضافة عدم القيام بجولات تفقدية للمناطق المحاصرة والخاضعة للشرعية في مقابل القيام بزيارات دورية لصعدة والمناطق التي يختارها الانقلابيون، يمكن القول بأن ” عقل ” و ” حركة ” المنظمات الأممية باتت مرتهنة تماماً لدى الحوثيين وحلفائهم.

ولذا كان الصمت الأممي المطبق على التجاوزات التي تجري في ميناء الحديدة ومساومات تجار الانقلابيين على البضائع قبل وصولها إلى الميناء، ما أسفر عن ارتفاعات كبرى في الأسعار وخلق سوق سوداء في المشتقات النفطية وتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن.