أكثر الفترات المؤثرة في الذاكرة الخليجية حينما كان النشاط في أوجه ضد الفنون في مطلع التسعينيات، وكانت مراكز الفنون في الكويت تحديداً هدفاً لفوهات بنادق التكفيريين والمغرر بهم من الأتباع، حيث في الفترة بين أعوام (1992 – 2004) نفذ الإرهابيون 11 عملية ضد مراكز تسجيلات صوتية وفيديو وفنون استعراضية ترفيهية والاعتداء على الفن في أي بقعة من العالم هو بمثابة اعتداء على الفنون في كل العالم.

باستعراض بعض هذه العمليات، نجد أشهرها:

– إطلاق قذائف هاون على مركز الفنون الذي تعود ملكيته للفنان عبدالحسين عبدالرضا في 15 يوليو 1991.
– محاولة اغتيال الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا بإطلاق وابل من الرصاص على سيارته يوم 8 مايو 1992.
– انفجار قنبلة في محل للتسجيلات الصوتية بمنطقة خيطان 5 سبتمبر 1992.
– انفجار في محل فيديو بمنطقة خيطان 5 سبتمبر 1992.
– انفجار في أحد محلات التسجيلات الصوتية في خيطان بتاريخ 10مارس 1993.
– تعرض مركز للتصوير وبيع لشرائط الفيديو الذي يملكه الفنان عبدالله الرويشد نوفمبر 1994 لإطلاق نار.
وغيرها من القضايا التي دون بعضها ضد مجهول في تلك الفترة.

التي كانت فيها الكويت تحاول التعافي من آثار الغزو العراقي الغاشم، فاستغل المتطرفون والمنتمون للجماعات الحركية تلك المرحلة العصيبة لضرب المعاقل الحيوية والتنموية للبلد ومنها مراكز الفنون التي صبوا جام غضبهم عليها في امتداد تاريخي لحربهم المزمنة على الفن والمنتمين إليه، وخاب فألهم وفتحت ملفات تلك الفترة التي أسقطت أقنعة المتطرفين أعداء الحياة وكانت القبضة الأمنية لهم بالمرصاد.

ولعل ما أشار إليه الكاتب الصحافي عبدالله الرشيد تحت في مقاله ” قصة تفجير أبو محمد المقدسي لمركز عبدالحسين عبدالرضا ” يميط اللثام عن فصل أسود من فصول الإرهاب مثّل رأس الأفعى فيه منظر القاعدة العائد من أفغانستان عصام البرقاوي الذي يكنى بـ” أبي محمد المقدسي “، حيث مدت له الكويت يدها فعاش بين أهلها وتتلمذ في مدارسها وبدلاً من أن يرد لها جميل صنيعها عمل على زعزعة أمنها واستهداف أبنائها كعادة دأب عليها الخونة والمارقين في كل مكان وزمان.

وعن تفاصيل تلك الحادثة التي اقتبسها من مذكرات المقدسي نفسه أن سيئ السيرة :” بدأ برصد مركز عبدالحسين عبدالرضا، وتم تجهيز قذائف الهاون، وجهزوا سيارة خاصة للقيام بالمهمة وتغيير لوحاتها الأصلية بلوحات أخرى أخذت من السيارات المهملة بعد الغزو”، يقول المقدسي في مذكراته التي تصف جزءاً من تاريخه التعيس، وفقاً لما نقله الزميل الرشيد:” جئنا بعد صلاة الفجر إلى الموقع، كنا متفقين على أنني أرمي القذيفتين، ثم الأخ الآخر الذي كان معي في أفغانستان يرمي القذيفة الثالثة، وبعد ذلك نأخذ الحاويات الفارغة، ونتخلص منها في مكان آخر.

توقفنا أمام المركز بعد الفجر، وانتظرنا حتى يفرغ الشارع من السيارات المارة، فنزلت وقذفت المقذوف الأول وأصبت الهدف، ثم أطلق الشاب الآخر القذيفة وأصاب الهدف، وكنت أنوي أن أذهب للسيارة حتى آخذ المقذوف الآخر، لكن من كان يقود السيارة حين سمع صوت الانفجار، واهتزاز العمارات من حوله، أصيب بالهلع، فتحرك بالسيارة وتركنا، فلحقنا به حتى ركبنا معه وغادرنا المكان، وانطلقنا إلى البر.

وجه الفنان الراحل عبدالحسين عبدالرضا بعد المحاولة الآثمة لاغتياله عام 1992 رسالة إلى خلايا الإرهابيين حينها، مفادها أنه فيما لو تم اغتياله فإن الكويت ستبقى والفن أيضاً سيبقى، ولم تثنه تلك العملية عن التراجع عن المواصلة وعرض مسرحيته، وقال في ظهور تلفزيوني آنذاك: ” شنو الفعلة المشينة اللي أنا ارتكبتها قتل إنسان يعني إنك يتمت عياله ..

قبل لا أوصل المسرح كنت في شارع عام يجيني الرصاص يوم سمعت الانفجار، ما اعتقدت إنه أنا، بعد ما طاح الزجاج بحضني، وشفت الزجاج في الناحية الثانية متطايرا حسيت فعلاً إنه الرصاص دخلي علي.. ناوي قتلي، يبي راسي وبيني وبين الرصاصة يمكن 3 سنتيمتر” .

وأضاف: في تلك الفترة كان عبدالرضا يقود نجوم الدراما الكويتية في عرض مسرحية ” سيف العرب ” الحدث الفني الأهم بعد تحرير الكويت، وكان المقدسي في تلك الفترة يعمل على استقطاب المتأثرين بالفكر الجهادي ويزرع التكفير ويبث الحماس في نفوس المغرر بهم ضد الحكومات والمصالح العامة والخاصة، بحسب اعترافاته.