الحمدلله الذي بنعمته تتّمُ الصالحات وبرحمته تعيش الخلائق،الحمدلله حمداً كثيراً كما ينبغي لجلال وجهه الكريم وعظيم سلطانه القدير، الحمدلله أن الجنة والنار بيده سبحانه وتعالى وليست مُلكاً لأحد من خلقه وإلا لما دخل الجنة وما نجا من النار أحد،

الحمدلله أن الدين لا توجد فيه وجهات نظر تُضاف إلى الثوابت ولا توجد قواعد تمنع وصول قدرة الله لكل شيء وأن الله له تسع وتسعون اسماً ،ومنها الرحيم والرحمن وهي أسماء اتصفت بالرحمة وهذه الرحمة مُطلقة لم تُخصص لشيء واحد أو شخص بعينه، مصداقاً لقوله تعالى :(( و رحمتي وسعت كل شيء )) وهذا دليل على أن الله لا يُدخل الانسان الجنة بأعماله فقط فرحمته تسبق عذابه، وجميعنا يعلم قصة اليهودي الذي مات ومرّوا بجنازته أمام الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم فلما رآها وقف صامتاً مع استغراب واستنكار الصحابة رضوان الله عليهم فقال لهم : أليست نفساً؟

وهو يهودي غير مسلم لأنه يحمل روح والروح من حقها الترّحم عليهاوالشفقة لها فهي لا تملك بعد أن أُنتزعت وذهبت لبارئها إلا أن نترّحم عليها والرسول الكريم قُدوتنا وهو نبي الرحمة أرسله الله عزوجل رحمة للعالمين فالروح عندما تخرج من الدنيا وتنتقل لعالم البرزخ تتمنى أن تنهال عليها الرحمات فالذي ينتظرها ليس بالشيء الهيّن،إن نزعة الروح أشدّ ألماً وأقسى وقعاً على النفس فلا تستطيع النفس السوية إلا الدعاء بالرحمة لها وطلب المغفرة والنجاة من العذاب فهول جهنم سعير لا نرجوه لأحد بل هذا أمر اختصّه الله لنفسه، ومن الفوارق العجيبة في هذا الزمان أن الناس وخاصة الذي يتتلمذون على العلم باتوا يُقسّمون الأرزاق والمُسميّات ويتدّخلون في من هم أصحاب الجنة ومن هم أصحاب النار !

إن المواصفات التي تتطلّب للعالِم والمُجتهد والمُتدّين ليس التفقّه في الدين وعلومه فقط إنما هناك صفات لابد أن يُصيغها في شخصيته تليق بطالب العلم أو الشيخ أو كمُفتي للآخرين،فنحن نستطيع قراءة كل شيء عن الدين وبمهارة ونحرص على طلب العلوم من بطون الكتب وأمهاتها وحريصين كل الحرص على أن نُجادل بالتي هي أحسن وأن نُوازن بين متطلبات الدين والدنيا معاً لأن الله جعله يُسراً و ليس عُسراً ،لكننا وقبل كل شيء تتقدمنا الإنسانية والرحمة وعدم الغُلّو فلو ما أخذنا بظاهر الأمور لهانت علينا أنفسنا وأنفس أهلينا قبل الناس، لو أننا طبقّنا كل ما فهمناه من الدين فلا حرج من القتل لأي نفس ترضخ لهواها،ولن نجد أي مُؤاخذات على إنكار وجود أي وسيلة عصرية لأنها لا تليق بديننا فهم على خلافه !

لقد مرّ على رسول الأمة محمد صلى الله عليه وسلم من المآسي والمتاعب والأذى ما يُساوي ابتلاء أمة لكنه آثر الصبر والحِلم والتواضع والرحمة والإنسانية وجعلها تتقدمه العطاء للذين يُلوثون الأخلاق ويرصفون المذابح ويقطعون وصال الدين بأفعالهم ويحرمون الأمة من التفاخر بدينها فيلجأون للخوف طريق وهذا لم يدعو به نبينا الكريم بل قال للذين قاموا بأذيته : اذهبوا فأنتم الطُلقاء ، وقال في جنازة اليهودي: أليست نفساً ؟ وغيرها في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مواقف تدّل على رحمته وإنسانيته وأنها سبقت حُكمه في أمور مختلفة ، فمتى سيعتدل إيماننا ومتى سنلجأ إلى اللا عُنف أو التشدّد في تطبيق الشرع وتزويد الناس بأفكار خاطئة عن الدين وأننا قادرون على إيصال البعض للجنة بعمل وإسقاطه منها للنار بعمل آخر،متى ترتقي بأفكارنا مثلما ترتقي بكل شيء صُدّر لنا في التكنولوجيا !