عندما يمر العالم بأزمة أمن واضطراب فوضوي في السيادة وتدهور لسياسة الأوضاع يبدأ التشابك والغموض بسبب عوامل متداخلة تداعياتها أمنية بالدرجة الأولى،إضافة إلى التطور المُذهل في التحليل السياسي وسبر أغوار كل أزمة قد تعتري المنطقة خاصة منطقة الخليج نظراً لموقعها الإستراتيجي وأهمية وجودها للشرق الأوسط والعالم بأسره، وتنامى ظواهر تدخلات القوى الأجنبية لتصفية الحسابات على حساب الأمن الإقليمي .

ولن يصعب على صُنّاع القرار في جدّية التفكير بإتخاذ القرار السياسي المناسب لحل مثل هذه الأزمات لا سيّما إذا ما كان من دولة استشرفت البُعد المستقبلي لها بتداعيات خبايا استترت وراء الجمعيات الخيرية والحصول على الموارد المالية لأغراض تُنظّمها جهات إرهابية تتنافى مع المباديء الإسلامية السامية وقوانين الاُمم المتحدة في الحفاظ على السلام في المنطقة ،وعندما تُهدّد أمن الخليج ويكون الرادع في تقييم المُنفذّ لهذا التهديد هو وجوده الخطر على الجميع يتعيّن المواجهة الجماعية للتصدّي لها فمهما كانت القوة الغير عادلة بين الطرفين إلا أن كفّة العدالة الصائبة للحق تترجّح أمام الباطل ولو كان مُنفرداً طالما أنه يسعى للضلال والتضليل،فما أحدثته الجارة الشقيقة من مناوشات واختراقات ومنظمات سرية جعل من منظومة السياسة في الخليج تُهيمن عليها موازين القوى الأجنبية والسيطرة على الفكر السيادي لديها وهذا بالفعل ما ترتب عليه قرار منع حجاجهم مشاركة مُسلمي العالم مناسك الحج لهذا العام ،وهذا القرار الذي كان له تأثيراً عكسياً بسبب أن الحكومة كتمته لتُخرج ما في جُعبتها من كذب جديد على شعبها ،وكعادتها قامت بزّج اسم المملكة لتُبرهن أن سياسة السعودية هي من يزيد في تصعيد الأزمة وبالتالي تكون الطرف المُهاجم للخصم.

ولو استعرضنا جهود السنين التي مضت في التوسعة الفعلية للحرم حتى هذه اللحظة لعرفنا أن المملكة تسعى جاهدة في إستقبال حجاج بيت الله الحرام من كل بقاع الأرض ناهيك أن هؤلاء الحجيج جاءوا من مختلف البلدان على إختلاف ثقافاتهم ولغاتهم

لكن الذي يجمعهم هي كلمة التوحيد ،وهذا بلا أدنى شك دليل على أن المملكة لم تتخذ يوماً ما تدهور السياسة في أي بلد ذريعة لتُوقف وفودهم للمجيء للحج وإلا كانت إيران أولى بالمنع خاصة مع تصارع الأزمات التي تُحدثها جالياتهم بالحرم عند كل زيارة لهم، وكانت جهود ملوك المملكة من عهد الملك سعود بن عبدالعزيز وصولاً إلى الملك سلمان قاموا بالإعتناء بالحرم وتوسعة المكان ليتسّع إلى أكبر عدد ليتسّنى للناس تسيير مناسك الحج بكل يُسر وسهولة،والواقع يتحدث بنفسه عن هذه الجهود المبذولة للحد من أزمة الأعداد ،وأن منهجية سياسة المملكة لا تُطلق قرارات غير مدروسة بخصوص هذا الشأن طالما أن الأمر متعلق بشعائر مقدسّة فلا توجد أدنى درجة للإستهانة بأي قرار يُتخذّ بحق أي دولة لتأدية ركن من أركان الإسلام.

وعند التصريح بأي قرار سياسي أو إلقاء خطاب رسمي لا يجدر مزاحمة مفهوم الرؤية الاستراتيجية للمصالح القومية بين دويلة بنت كيانها على جثث الأبرياء وتباكت عندما لُسعت بالمقاطعة فولولت كالأرملة تصرخ أنه حصار وربما تعتبر هذا عمل نشط يُضاف إلى سابقاته في الإنحطاط والخذلان، لتكن في المرة القادمة قراراتك نابعة من التعقّل السياسي ومن صميم منهجية السيادة الحقيقية للدولة وليس من ضعف،فالوقوف على دكّة السيادة يتطلب شجاعة أكبر خاصة وأنكِ تُخاطبين أحد عمالقة الخليج فلتكن وقفتك فيها اتزان ،للأسف مع هذا القرار الضعيف النوايا لقد استنفزت هذه الدويلة قواها ومواردها البشرية لأجل أُفول نجمها في سماء الخليج ،فلم تعد سنواتها الماضية تشفع لها ولم تغتنم فرصة المبادرة لمطالب دول الجوار لتحظى بالعودة لوضعها الطبيعي ،و إن من حًسن حظها أن المملكة احتوت عطب هذه السياسة الخرقاء وحافظت على استقرار الوحدة الخليجية بالتصّدي لها دون المساس لروح الإنسانية لديها،وإن ما تعلّق الأمر بُحجّاج البيت الحرام فهي مستعدة لتعريف العالم بمخرجات السياسة الخارجية للسعودية إزاء حرصها وإحتواءها على ضمّ أكثر من مليون حاج في أطهر بقاع الأرض ومن كل مكان في العالم .

المملكة هي قلب الخليج العربي ونبضه والتغيرات التي تطرأ على الساحة وتعصف بالمنطقة تُؤثر على هذا النبض لأنها جزء منه لكنها أقوى في التصدي لهذا الهذيان فليحفظ الله لنا المملكة و قائدها وشعبها من كل كائد يحاول العبث في أمنها.