يقول مازن الوعر, أحد أشهر المسوقين للسانيات في العالم العربي, في أحد حواراته معرفاً اللسانيات قائلا: “اللسانيات هي الدراسة العلمية الصارمة للغات البشرية من خلال استخدام المعايير والمقاييس الموجودة في العلوم الطبيعية ومنها وضع الفرضية, واستخدام النموذج الرياضي, وضع المنهج واختباره, وضع النظرية المتعددة المناهج, الدقة والشمولية والموضوعية, حتى أصبحت هذه المقاييس المستخدمة في العلوم الطبيعية جزءاً لا يتجزأ من علم اللسانيات”.

وما قاله مازن الوعر, أن المقاييس المستخدمة في العلوم الطبيعية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من علم اللسانيات, ليس بجديد في مجال التوظيف غير المناسب للعلم, فهو امتداد لوجهة النظر القديمة التي ترى بأن الطرق الاستقرائية المميزة للعلوم الطبيعية هي المصدر الوحيد للمعرفة الحقيقية, ويعتقد اللسانيون بأنها الطريقة الأنسب لدراسة اللغة.

حملت اللسانيات شعارها اللافت وهو الدراسة العلمية للغة (Scientific study of language) وهذا الادعاء العلمي سيظل شعاراً جذابا ولن يتعدى كونه شعاراً ولن يجعل من اللسانيات علما حقيقياً وستظل الظاهرة اللغوية خارج محيط البحث العلمي الطبيعي, وستظل اللغة حقلاً من حقول العلوم الإنسانية حتى يطرح لنا اللسانيون الحقائق العلمية والنظريات العلمية المقننة التي تثبت فعلاً بأن الظاهرة اللغوية قد ترضخ للمقاييس المستخدمة في العلوم الطبيعية أو أن شعار (Scientific study of language) سيكون حجة مضادة لمن ينادون بضرورة الدراسة العلمية للغة.

هناك من رفض إلحاق اللغة بالعلم لأنه نظر إليها لجهة كونها تستعصي على الملاحظة والاختبار, وأغلب التحقيقات التي يجريها اللسانيون في دراستهم للغة إنما هي ظنية النتائج, ومنها ما ينحط إلى درجة الوهم, وحتى يمكن القول إنه يستحيل أن تأتي أبحاث علمية لسانية بنتائج قطعية إلا نادراً جداً, فضلا عن أن تكون متحررة من التفلسف.

تمتلك الفيزياء قوانين يتفق عليها الجميع, مثل قانون بقاء الطاقة وقانون انعكاس الضوء وقانون الحركة لنيوتن, وطرحت حقائق مثبتة علميا تتصف بالشمولية والموضوعية كتمدد المعادن بالحرارة وتقلصها بالبرودة, في حين عجزت اللسانيات حتى الأن عن تفسير كثير من الظواهر اللغوية الهامة, أهمها ظاهرة تطور اللغة وموت اللغة بل أن أشهر الفرضيات اللسانية لا تزال عالقة تنتظر التفسير العلمي مثل فرضية جهاز اكتساب اللغة (Language Acquisition Device) والنحو الكلي الذي يبدو بأنه سيضاف لقائمة الأساطير اللغوية.

نعود مجدداً لمازن الوعر حيث قال في نفس الحوار: “وهناك أيضاً دراسة بعنوان –اللسانيات وتحليل الخطاب السياسي- تناولت فيها بعض النصوص الخطابية للرئيس الراحل حافظ الأسد التي أفرزت نتائج جيدة في علم تحليل الخطاب. كما قمت بدراسة حول البنية القصصية عند القاص دريد يحيى الخواجة, تناولت فيها مجموعته القصصية –وحوش الغابة- وقد طبقت علم تحليل الخطاب على هذه القصص التي خرجت منها بنتائج باهرة”.

ختم مازن الوعر حديثه بالتأكيد على أنه خرج بنتائج جيدة وباهرة, وكما هو متعارف عليه في حقل العلوم الطبيعية أن النظرية العلمية تعد التتويج النهائي للمنهج العلمي, وحصاد خطواته الأخيرة فكل ما يهدف إليه المنهج العلمي تجده دوما في النظرية العلمية, فهي التي تحشد الوقائع العلمية والمفهومات والفروض والقوانين في سياق ملتئم مترابط واحد, وبما أن مازن الوعر يقول بأنه خرج بنتائج باهرة فهذا يعني بطبيعة الحال أنه أخرج لنا نظرية علمية نستطيع تطبيقها على خطاب حافظ الأسد وخطاب جمال عبدالناصر وخطاب أنور السادات, ولا بأس بتطبيقها على الخطابات المستقبلية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب, والنتائج الباهرة لمازن الوعر ستكون خير معين لفك طلاسم حكايات ألف ليلة وليلة, حيث سنكتشف جنس الكاتب الحقيقي للحكايات, رجلا كان أو امرأة, وإذا كان النص أنثويا, فنحن نستطيع الربط بين النص الأنثوي وبين جسد المرأة الذي يتوالد ويتمدد بفعل (الحمل).

لا شك أن مازن الوعر قد أخرج للوجود قوانين علمية وتعميمات مقننة يمكن صياغتها في صورة لفظية أو بيانية رياضية, لتعين البشرية على فهم الخطابات السياسية حتى نستطيع التنبؤ بالأحداث السياسية في المستقبل.