هل ذهبت الغيرة أم أنعدم الحياء أم هو تغير في الزمان ورجاله وابتعاد عن الحق وصوابه في ظل تغيرات العصر والعولمة التي يعيشها العالم المنبهر بالتغريب لا يرى إلا البياض وكأن القائل:
وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة … وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا
هو يعنيه بهذا الوصف الدقيق
خرجت امرأة في مكة في الحج ترمي الجمار فرآها عمر بن أبي ربيعة فضايقها فلما كانت الليلة التالية قالت لأخيها اخرج معي فأرني المناسك، فلما رأى عمر أخاها معها مكث في مكانه ولم يتعرض لها فأنشدت قائلة:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له … وتتقي صولة المستأسد الضاري.

فلما سمع أبو جعفر المنصور هذه القصة قال: وددت لو أنه لم يبق فتاة من قريش إلا سمعت بهذا الخبر، ونحن نود أنه لم يبق رجل وامرأة إلى وسمع بهذا الخبر، وكان بإحدى البلاد امرأة صالحة عاقلة وكانت
معها فتاة، فإذا أرادت الخروج من البيت تقول لابنها: اخرج مع أختك فإن المرأة دون رجل يحميها ويوسع لها الطريق كالشاة بين الذئاب يتجرأ عليها أضعفهم.

أيها الحبيب لا تترك عرضك في الأسواق وغيرها بين الذئاب من الباعة والجائلين فهم يضعون حبالهم ليصطادوا، فنحن في زمان ضعف فيه الإيمان ويكاد أن تخمد فيه الغيرة عند كثير من الناس -إلا من رحم الله.
صاحب الشهامة والنخوة والفطرة السوية والذي كرمك الله على خلقه، وجعل لك القوامة على نساءك ومحارمك، لا تتركهن يعبثن بالحجاب ويجعلنه زينة ظاهرة فاتنة لكل عابث وغادر ومفتون، ثم تتركهنّ بعد ذلك يستعرضن في كل ممشى أو سوق أو مشفى أو مقهى، وقد رأينا في مجتمعنا ما يند له الجبين من ضعف الغيرة عند الرجال وقلة الحياء عند النساء وهذا مؤشر خطير، يذهب ضحيته الجميع إن لم يكن هناك أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض.
من يجعل زوجته أو قريبته محلٌ أنظار الرجال بعباءةٍ فاتنة مزينة مزخرفة تستعرض بها وتختلط بالرجال! فضلاً عن أن يتركها لوحدها لتنهشها الذئاب وهي تحوم حولها ! كيف لرجل أن يترك أهله من غير محرم وكيف يتصور حالها بين رجال أجانب وهي تضطر لمحادثتهم وما بعد ذلك؟

من يترك زوجته أو قريبته خراجة ولاّجه مع غيرها من رفيقات السوء للتسكع في الاسواق والممشى! لا تقوى ولا حياء وهو لاهٍ غافل من غير حاجة أو تركها جزء من النهار لا يعلم بما يحصل وأين ستذهب ومع من ستذهب وتفعيل دور أنى لك هذا فمما ورد عن زكريا لما كفل مريم قال تعالى (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ) أي: يقول من أين لك هذا؟
أين الحياء؟ والذي هو الحياة بالنسبة للمرأة قبل الرجل ألم يقل النبي: (الحياء والإيمان قرناء جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر). أم أن هذا الزمان هو زمان وأد الحياء ؟!
إن لم نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونأخذ على يد السفيه والظالم ونصلح بقدر استطاعتنا أو ليوشكن أن يعمنا الله بعقابه وتحل علينا اللعنة- والعياذ بالله- فسنن الله لا تتبدل ولا تتحول قال الله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾

ولننظر إلى البلاد من حولنا التي انتشر فيها الفساد والمنكرات من تبرج وسفور واختلاط ووأد للحياء ومجاهرة بالمعاصي …وكيف آل بها الأمر الآن !… بدأت المنكرات فيها شيئا فشيئا، ولم يكن فيها أولوا بقية ينهون عن الفساد، فأصبح المعروف منكرا والمنكر معروف حتى آخذهم الله بذنوبهم.

والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من وُعظ به غيره.
ونذكّر أيضاً النفوس الغيورة على دينها وعرضها بألا يسمحوا لنسائهم وأقاربهم ممن لهم عليهنّ ولاية وقوامه بأن يعملوا في أماكن مختلطة فلا تبحث عن رزق بمعصية فبئس الرزق ومحقٌ البركة
سأتـرك حبَّها من غير بغضٍ … وذاك لـكـثـرة الشركاء فيهِ
إذا وقـع الـذبـاب عـلى إنـاءٍ … رفعت يدي ونفسي تشتهيهِ
وتـجـتـنـب الأسود ورود ماءٍ … إذا رأت الـكـلاب ولغن فيهِ
ولنقارن بين هذا الواقع وبين ما قصة الله علينا من قصة موسى حين ورد ماء مدين ووجد عليه أمة من الناس ووجد من دونهما امرأتين تذودان…فالله عز وجل يذكر لنا في كتابه لنتعظ ونتدبر ونتفكر ونتعلم { فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }
فعند ماء مدين.. الرجال مجتمعون، كلُ همهم أن يسقوا أنعامهم وبهائمهم. وهناك في الأسفل امرأتان تذودان أنعامهم عن السقي
فالمرأتين لم يكن ليخرجا لسقي الغنم مع الرعاة لولا الضرورة الملحة، وهي أن أباهما شيخ كبير لا يستطيع القيام بذلك. ومن شدة حيائهما وحاجتهما لم يكن ليختلطا بالرجال من أجل السقي.
فبقي دون الناس ينتظران ذهاب الرجال.
هناك أيضا واقعة حدث في عهد النبي تبين بأن ليس للمرأة أن تخرج لوحدها من غير زوجها أو محرمها، ولو مع رفقة صالحة من الصحابيات الطاهرات، ولو كان ذلك لأداء فريضة من فرائض الله، وهو الحج وكان زوجها خارجاً مجاهداً في سبيل الله.
ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج، فقال: اخرج معها ) رواه البخاري.