مفهوم السوبرمان أو الإنسان الأعلى أو المتفوق, كان على الدوام مفهوما مجازيا استخدم للدلالة على إنسان يمتلك قدرات روحية وبدنية ونفسية خارقة تفوق ما لباقي البشر, وفكرة السوبرمان كانت وليدة فلسفة فيلسوف القوة الألماني فريدريك نيتشه, فهذا السوبرمان هو المخلوق الأرقى الذي يتعالى ويسمو عن أخلاق العبيد فهو لا يؤمن بمشاعر الخير والشر وتأنيب الضمير والرحمة والشفقة والمساواة, وتجتمع فيه كل الأخلاق العليا وبه تتطور الإنسانية كلها, وعليه مسؤولية قيادتها نحو الأفضل عن طريق ركوب الأخطار وخوض المعارك.

وفي كتاب (هكذا تكلم زرادشت) يقول نيتشه على لسان زرادشت: “إنني أبشركم بالإنسان الأعلى, فالإنسان الأعلى هو معنى الأرض” ومفهوم الإنسان الأعلى أو السوبرمان قد ألقى بظلاله على فكر الزعيم النازي أدولف هتلر, فكان هذا الكتاب إنجيل النازيين, حيث اتخذوه في مطلع الثلاثينات مرجعية فكرية لأيديولوجيتهم, وتم تأويل (السوبرمان) بالفوهرر أي الزعيم والقائد الذي يجمع في شخصه بعبقرية نادرة كل ما هو ثقافي وسياسي وعسكري.

ومن هنا شاعت النظرية الآرية أو نظرية (تفوق العنصر الجرماني) التي تنادي بعقيدة التفوق الجنسي, وتطرح مبدأ التفاوت والتفاضل بين الجماعات البشرية على أساس بيولوجي, فهي تناهض مبدأ المساواة بين البشر وتسلم بأن صفات السيادة والعظمة هي صفات أصيلة وجوهرية في العنصر الآري وما عداهم ليسوا سوى أنصاف بشر أو مخلوقات أقل شأناً من القردة والكلاب.

وقد رحب أنصار النظرية الآرية, أشد الترحيب بنظرية داروين المتعلقة ببقاء الأصلح, وأعتبروها قضية تبرر ما قاموا به من أعمال تهجير وإعدام للأجناس المنحطة كما يعتقدون, وبفضل تفوقهم البيولوجي والعلمي, فإن لهم الحق في تحطيم الأضعف.

والجنس الآري المتفوق يقابله الجنس السامي الأدنى, وتقسيم الناس إلى آريين وساميين هو من صنع علماء تاريخ اللغات, ويعود أصل تسمية (آري) إلى القرن التاسع عشر حين لاحظ الأوروبيون أوجه الشبه بين لغتهم واللغة السنسكريتية الهندية, فقاموا بتصنيف اللغات إلى أصناف كالأنساب والأسر, ومن هنا خرج اصطلاح (هندي- أوروبي) أو اللغة الهندو أوربية التي تصف الأصل المشترك لهذه اللغات, ومع شيوع هذا المصطلح تمخض اعتقاد جديد أن هناك شعب (هندي- أوربي) وتطور الأمر لدرجة تحديد موطن أصلي لهذا الشعب المفترض.

ومن مصطلح (هندي- أوربي) ظهر للوجود مصطلح (هندي- جرماني) المرادف للتسمية (آري) مشتقة من كلمة آريا (Arya) نسبة لشعوب كانت تتكلم السنسكريتية, لذا فإن وجود اللغة الآرية القديمة يعني ضمناً وجود (جنس آري) وهذا الجنس هو الذي تفرع منه الهنود والإغريق والرومان والألمان, ولا يحتاج لهذه التصنيفات أدنى مجهود لإثبات أنها مجرد خرافات ليس لها أي مدلول جنسي.

ومن هذه الأسر اللغوية والتصنيفات البشرية أراد أدولف هتلر تكوين دولته عليها وجعلها أساساً أديولوجيا لها, فكان يزعم بأن الدم الآري أرقى من غيره وأن الشعب الآري أكثر تفوقا من بقية الشعوب وبالذات الشعوب السامية يهودية كانت أو عربية.

ومع ضعف محتواها وسندها العلمي, تبين أنها نظرية لغوية أقحمت في مجال الجنس البشري, وبنزعة عنصرية أقحمت في مجال الفلسفة والإبداع, وهذا هو منشأ وأصل النظرية الآرية المبنية على أساس اللغة, التي تنادي بعقيدة التفوق الجنسي وتتبنى نظريات التفرقة العنصرية, داعية لمحاربة اختلاط الدماء والسلالات لإقامة زعامة مقدسة داخل السلالات البيضاء.

لاقت مثل هذه النظريات الكريهة رواجاً كبيراً بين الساسة وأشباه العلماء ورجال الدين والفكر, وهناك من أراد يلبسها لباس (العلمية) ليثبتوا أن أنتصارات المدينة العالمية كانت من اختراع شعوبهم وحدها دون سواها من شعوب العالم.⁠⁠⁠⁠