أنشد الشاعر الأموي ذو الرمة أبياته للفرزدق ؛ ثم سأله مستاء لماذا لا أعد من فحول الشعراء وهذا شعري ؟!

فأجاب الفرزدق : لبكائك الطويل على الديار والأطلال ..!!
فقد كان ذو الرمة مغرما بامرأة ولكن كعادة العرب حيل بينه وبين الزواج بها ؛ فهام في ذكرياته وضعف أمام جموح أشواقه

وما نرمي إليه أن المشاعر الرقيقة على قدر جمالها وحسنها إلا أنها تقتل صاحبها وتأسره في سجن الذكريات حتى يكون أضعف من ريشة في مهب الريح .. وعلى النقيض فإن إبداء الجمود وإظهار التجلد أحيانا يكون مدعاة إلى القوة ؛ لذلك أبدى الجلادة أبو ذؤيب الهذلي حين مات خمسة من أبناءه في عام واحد وادعى القوة رغم احتضار قلبه فقال :
وَتَجَلُّدي لِلشامِتينَ أُريهِمُ ** أَنّي لَرَيبِ الدَهرِ لا أَتَضَعضَعُ

وحولها ندندن ؛ فعندما أراد كونان دويل ابتكار شخصيته العظيمة وأسطورة التحري شارلوك هولمز جعله رجلا جامدا لا يبدي بمشاعره حتى لا يظهر ذلك ضعفا يؤثر على ذكائه الحاد ويمس شخصيته القوية

وقد قيل إن كنت تلعب الألعاب الورقية أو البوكر فلا تبد على وجهك الفرح بأوراقك أو الاستياء منها حتى تربك خصمك بإخفاء مشاعرك ..
ويقول أنيس منصور في كتابه ” والله يا زمان حب ” أن أنور السادات كان يخفي مشاعره تحت مظلة التبسم والضحك في مقابلاته رغم أنه كان في داخله كثير الحذر والاهتمام بكل التفاصيل ..

وأخيرا ما زالت تترامى إلى ذاكرتي موقف أمي – رحمها الله – لما ودعتها حين تعينت معلما في المنطقة الشرقية وكيف أنها ودعتني بجمود لم أراه عليها من قبل ؛ لكي لا تريني ضعفها وحزنها لفراقي لحظة وداعي رغم أنها كانت تخاف علي حتى من ظلي

وهذه يا سادة سلطة إخفاء المشاعر التي تجعلك تظهر بمظهر القوي حتى وإن كان قلبك في أعماقه ينتفض