من الأمور التي كنت و لا زلت ارفضها هي زرع جواسيس بين الطلاب مع أني في السنوات الاخيرة كنت قائد لمدرسة متوسطة ، و يتميز طلاب هذه المرحلة بمحاولة إثبات الذات كونهم في بداية المراهقة ولو بالتخريب و ” الفتونه ”  ، فقد كنا ومعي الوكيل والمرشد نعاني معناة شديدة من بعض التصرفات التي تصل أحياناً إلى الإتلاف المتعمد لممتلكات المدرسة و مع كل هذا رفضت مقترح بزرع جواسيس في كل فصل للحد من بعض هذه التصرفات ، وذلك لقناعتي التامة أن هذا التصرف لا يجب أن يكون في معقل للعلم و صرح للتربية، وليس هذا مكانه و زمانه، و لايوجد ذاك الخطر والضرر الذي نضطر معه لهذا الفعل ، ولا يجب أن نزرع في طلابنا هذه الصفة، ففي حالهم مذمومة ، و كنا نستعيض عن ذلك بإشعار الطلاب بثقتنا بهم، وبتعزيز قيمة المحافظة على الممتلكات ، وبأنهم مسؤلون معنا عن المدرسة و المحافظة على محتوياتها ، و حثهم على الأخذ بيد زميلهم المخرب وردعه بنصحه و المحاولة معه بالتي هي أحسن وإن لم يتسجيب أو كان هناك خوف من شره؛ فليسارعوا بتنبيه الإدارة عن طريق كتابة ورقة ووضعها في صندوق الإقتراحات و الشكاوي أو إخبار الوكيل أو المرشد مع ضمان سرية المخبر ، وفي حالة واجهنا مشكلة كإتلاف أو تدخين نتخذ الإجراءات النظامية لمعرفة المتسبب ، كما قمت بتركيب كميرات مراقبة في الممرات و مدخل المدرسة و الصالة وكل مكان لا تصله أعيننا ، وكانت شاشة المراقبة أمام أعين الطلاب كل هذا حتى نضمن سلامة المدرسة بدون فكرة الجواسيس.

مع أنه في كل مدرسة يوجد من الطلاب من يحب أن يتقمص دور المخبر أو الجاسوس إما ليكون له حضوة عن الإدارة أو ليكيد لبعض زملائه ، ولعل قائل يقول كيف ترفض زرع جواسيس في الفصول بينما تطلب من الطلاب الوشاية بزملائهم وهي صفة ذميمة لا ينبغي أن تعزز في مكان كالمدارس ؟ وهنا أقول لابد أن نفرق بين الوشاية و فضح الطالب المشاغب الذي سيتعدى ضرره على جميع الطلاب لردعه و كف شره و أذاه ، فليس من الوشاية التحذير من المفسد، إنما الوشاية تكون بنقل معلومة لا فائدة منها و لا يترتب عليها ضرر كفلان سب زميله ، أو فلان يسب المعلم .

أذكر أن أحد طلاب الصف الثاني المتوسط دخل علي في غرفة الوكيل قبل الفسحة وطلبني على إنفراد حيث أخبرني أن هناك مجموعة من الطلاب معهم دخان !! مع أننا كنا نفتش بصورة شبه يومية إلا أن حيل الطلاب في إخفاء السجائر و الولاعات لا تنتهي ، شكرته وثمنت له مبادرته ثم أردف قائلا بحماس : أستاذ إذا تبغاني اشوف لك كل يوم من اللي جايب دخان و اعلمك ابشر !! و بشكل قاطع رفضت أن أزرعه بين زملائه، كان لهذا الطالب موقف معي قبلها  بفترة قليلة ففي يوم من الأيام و بعد الفسحة شممت رائحة دخان و بتتبع مصدر الرائحة تأكدت أنه من جهة دورات المياه و عند دخولي لها واجهته مع أنه حاول الإنكار إلا أنه اعترف بعد شممت رائحة الدخان في يده وعلى ملابسه وهددته بإستدعاء والده ؛ و لانها السابقة الأولى فقد اكتفيت بتعهد خطي مع متابعته من قبل الوكيل و المرشد ، يبدوا أنه أراد رد الجميل لأني لم إخبر والده ، وإثبات أنه لن يكرر فعلته ،وعزمه على محاربة التدخين كما برر لي !!.

والطآمة و المصيبة أن بعض المعلمين و الإداريين  مبتلى بهذا الداء ، ولازلت أذكر ذلك الزميل الذي كان يأتيني نهاية كل يوم تقريبا ليسرد لي ما فعله و ماقاله الزملاء في غرفة المعلمين حتى أوصلت له بطريقة غير مباشرة رفضي لهذا الأسلوب .