اشتهرت هند بنت النعمان بفصاحتها وبلاغتها، ويحكي الكاتب شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي في كتابه ” المستطرف في كل فن مستظرف ” .

قصة هند ابنة النعمان والحجاج بن يوسف الثقفي.

كانت هند ابنة أحسن أهل زمانها، فوُصف لـ ” الحجاج ” حسنها فطلب خطبتها، وبذل لها مالاً جزيلاً، وتزوج بها، وشرط لها عليه بعد الصداق مائتي ألف درهم، ودخل بها، ثم إنها انحدرت معه إلى بلد أبيها المعرة، وكانت ” هند ” فصيحة أديبة، فأقام بها “الحجاج” بالمعرة مدة طويلة، ثم إن “الحجاج” رحل بها إلى العراق، فأقامت معه ما شاء الله، ثم دخل عليها في بعض الأيام، وهي تنظر في المرآة، وتقول:
وما هند إلا مهرة عربية.. سليلة أفراس تَحلّلها بغل (تعني الحجاج)
فإن ولدت فحلاً فلله درّها.. وإن ولدت بغلاً فجاء به البغل

فانصرف ” الحجاج ” راجعاً، ولم يدخل عليها، ولم تكن علمت به، فأراد “الحجاج” طلاقها، فأنفذ إليها عبدالله بن طاهر، وأنفذ لها معه مائتي ألف درهم، وهي التي كانت لها عليه، وقال: يا ابن طاهر طلّقها بكلمتين ولا تزد عليهما، فدخل عبدالله بن طاهر عليها فقال لها: يقول لك أبو محمد الحجاج: “كُنتِ فبِنتِ”، وهذه المائتا ألف درهم التي كانت لك قبله، فقالت: اعلم يا ابن طاهر أنا والله كنا فما حمدنا، وبِنَّا فما ندمنا، وهذه المائتا ألف درهم التي جئت بها بشارة لك بخلاصي من كلب بني ثقيف.

شرط غريب

ثم بعد ذلك بلغ أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان خبرها، ووُصف له جمالها، فأرسل إليها يخطبها، فأرسلت إليه كتاباً تقول فيه: بعد الثناء عليه يا أمير المؤمنين، والله لا أحل العقد إلا بشرط، فإن قلت ما هو الشرط قلت أن يقود الحجاج محملي من المعرة إلى بلدك التي أنت فيها، ويكون ماشياً حافياً بحليته التي كان فيها أولاً، فلما قرأ عبدالملك ذلك الكتاب ضحك ضحكاً شديداً، وأنفذ إلى “الحجاج” وأمره بذلك.
موكب ” هند ”
فلما قرأ ” الحجاج ” رسالة أمير المؤمنين أجاب وامتثل الأمر، ولم يخالف، وأنفذ إلى “هند” يأمرها بالتجهّز، فتجهّزت، وسار “الحجاج” في موكبه حتى وصل المعرة بلد ” هند ” ، فركبت “هند” في محمل الزفاف، وركب حولها جواريها وخدمها، وأخذ “الحجاج” بزمام البعير يقوده ويسير بها، فجعلت “هند” تتواغد عليه، وتضحك مع “الهيفاء” دايتها، ثم إنها قالت لـ”الهيفاء”: يا داية اكشفي لي سجف المحمل، فكشفته، فوقع وجهها في وجه “الحجاج” فضحكت عليه، فأنشأ يقول:
فإن تضحكي مني فيا طول ليلة… تركتكِ فيها كالقباء المفرجِ
فأجابته ” هند ” تقول:
وما نبالي إذا أرواحنا سَلِمت.. بما فقدناه من مال ومن نشب
فالمال مكتسب والعز مرتجع.. إذا النفوس وقاها الله من عطب
درهم بدينار
ولم تزل كذلك تضحك وتلعب إلى أن قربت من بلد الخليفة، فرمت بدينار على الأرض، ونادت: يا جمال إنه قد سقط منا درهم، فارفعه إلينا، فنظر “الحجاج” إلى الأرض فلم يجد إلا ديناراً، فقال إنما هو دينار، فقالت: بل هو درهم، قال: بل دينار، فقالت: الحمد الله سقط منا درهم فعوضنا الله ديناراً، فخجل “الحجاج” وسكت، ولم يرد جواباً، ثم دخل بها على عبدالملك بن مروان، فتزوج بها وكان من أمرها ما كان.