مما لا شك فيه أن حادثة اقتحام جهيمان للحرم المكي أحد الحوادث بالغة الأثر بالتاريخ السعودي و الإسلامي على حد سواء، نظرا للحساسية والقدسية التي يتمتع بها موقع الهجوم.

قدم الباحث بالتاريخ عبدالله العمراني، تفاصيل منقولة عن إمام ومؤذني الحرم سابقاً حول حادثة اقتحام جهيمان ورفاقه للحرم المكي في غرة المحرم من عام 1400هـ، والتي انتهت بقتل وأسر من شاركوا في الهجوم وروعوا المصلين، كما دعم العمراني كلامه بصورٍ نادرة حول الحادثة.

وضمّن العمراني رواية إمام الحرم في تلك الفترة الشيخ محمد عبدالله السبيل، والتي قال فيها: ” دخل علينا أناس معهم رشاشات وبنادق، وبعد أن صليت صلاة الفجر إماما وقفوا على سجادة الإمام وكانت هناك جنازة طفل للصلاة عليه، فجاء أحدهم يريد أن يأخذ الميكروفون فمنعته، فأشهر البندقية في وجهي، وقلت له (اتق الله أريد الصلاة على الجنازة) فترك الميكروفون ” .

واستطرد العمراني عن الشيخ: ” قمت وصليت مع اثنين أو ثلاثة على الجنازة وانشغل باقي المصلين بما يحدث، وكان هؤلاء المهاجمون يخترقون الصفوف، وإذا رأوا شخصا وتبين لهم أنه مواطن قالوا له اذهب وبايع المهدي، فيما تسلل بعضهم إلى غرفة مكبرات الصوت (المكبرية) وطالبوا الناس بمبايعة من أسموه بالمهدي ” .

واستكمل : ” كان هناك نحو 100 ألف مصلٍ وقت الحادثة، استطاع الكثير منهم الخروج خلال أول ربع ساعة، فيما خرج آخرون عبر النوافذ الصغيرة، أما مقتحمو الحرم فبدأوا في إطلاق الرصاص في الهواء واستخدام الميكرفون ويشيرون إلى رئيسهم ويدعون الناس للتوجه نحوه، وقد قتلوا جنديين سعوديين وأصابوا اثنين آخرين ” .

وأوضح الشيخ ابن السبيل رحمه الله في روايته أنه ترك مكان الإمام وبقي يراقب مايحدث حتى التاسعة والنصف صباحاً، قبل أن يخرج مع مجموعة من الحجاج، وإذا بستة مسلحين أمام أحد أبواب الحرم، إلا أنه استطاع الخروج بسلام كونهم لم يتعرفوا على شخصه.

وكشف العمراني أن مقتحمي الحرم دهنوا وجوههم بطلاء أسود حتى لا يراهم رجال الأمن في الظلام، واستشهد العمراني برواية لأحد ضباط المدرعات بالحرس الوطني آنذاك، والتي قال فيها: ” وصلنا في اليوم التالي من الحادثة، وكانت معنا صواريخ ومدافع، وكانت القذائف توجه إلينا من المنارات، فأجرينا عملية تعبئة خلف المطافي المعدة في الأماكن أمام الحرم للتمويه عليهم حتى أجبرناهم على النزول من المنارات، وأسقطنا منهم أربعة أشخاص على الفور ” .

وحكى نقلاً عما ورد على لسان رئيس المؤذنين في الحرم آنذاك الشيخ عبدالملك ملا حيث قال: ” بعد انتهاء صلاة فجر الثلاثاء تفاجأنا بحركة غريبة وبمن يطرق علينا باب المكبرية بشدة، ففتح مهندسو الصوت الباب، وإذ بمسلحين يدخلون علينا ويرددون (الله أكبر، المهدي أتاكم)، فخرجنا تحت السلاح ونحن لا نعقل ما يدور حولنا ” .

كما قال الشيخ عبدالحفيظ خوج الذي رفع آذان الفجر ذلك اليوم: ” بعد انتهاء الصلاة سمعنا ضحة شديدة قرب المكبرية، وإذا بهجوم من ستة أو سبعة مسلحين يرددون عبارات (الله أكبر.. محمد المهدي)، فأخبرنا بعض المتواجدين في الحرم أن الأبواب مقفلة، حتى دلنا رجل يمني أنه يمكننا الخروج من البدروم، فخرجنا من هناك سالمين ومعنا بعض المواطنين والحجاج.

ويجدر الإشارة ها هنا إلى أن قوات الأمن كان بإمكانها القضاء التام على المعتدين إلا أنه كان هناك اعتبارات عدة دفعتها لضبط النفس حفاظاً على سلامة الحجاج وزائري الحرم وحفاظاً على قدسية البيت العتيق.

وأعلن وزير الداخلية آنذاك، الأمير نايف بن عبدالعزيز في الخامس عشر من شهر المحرم، أنه قد تم في الرابعة والنصف فجراً تطهير قبو المسجد الحرام من جميع المعتدين على الحرم وقتل وأسر المنفذين.