التدخلات القطرية الصريحة في أنظمة الحكم ببعض الدول العربية، يهدد عضويتها بالجامعة العربية، وفق المادة الثامنة من ميثاق جامعة الدول العربية التي تنص علي «أن تحترم كل دولة من الدول المشاركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى».
وحملت المادة أن على الدول التعهد بعدم القيام بأي عمل يستهدف الإطاحة بهذه النظم أو محاولة تغيرها؛ والمثياق لم يحرم العمل العسكري وحده الذي يأخذ شكل الاعتداء ولكنه حرم أي عمل يهدف إلى الإطاحة بهذه النظم؛ أو بأي منها سواء أن كان العمل عدوانا او عسكريا أو تدابير لانقلابات عسكرية أو اقتصر العمل على مجرد التحريض السياسي.

فقد تجاوزت قطر الخطوط الحمراء، ولم تعر اهتمامًا للمناشدات التي أطلقت للتوقف عن دعم الإرهاب، والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، لم تحترم نظام الحكم في دول الجامعة العربية.
قطر لم تلتزم خلال الربيع العربي، بدورها التقليدي في السياسة الخارجية باعتبارها وسيطا دبلوماسيا، لقبول التغيير في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ودعم الدول التي تمر بمراحل انتقالية، بل اتخذت منهجا واضحا في دعم الحركات المتشددة في المنطقة.
وبرز دور قطر في الأشهر الأولى من الربيع العربي، إذ هي بلورت، عبر شبكة الجزيرة الفضائية، سرديات الاحتجاج البازغة، كما أنها عبأت الدعم العربي، وساعدها في ذلك احتياطها من الغاز الطبيعي، والتغييرات الواسعة في النظام الدولي، الذي سهل لها البروز كلاعب قوي ويزداد قوة، بل وسهل أن تقفز فوق وزنها، واستعراض أشكالا جديدة من القوة الناعمة.
صدرت قطر للعالم صورة أنها بلد مستقر مزدهر، وسعت لتعزيز وتلميع صورتها في أنحاء العالم، وهو ما أشاع الاستقرار في صدور قادة البلاد، وحفزهم علي دعم قوي متطرفة صاعدة خاصة في الدول التي تمر بمراحل انتقالية، بهدف تزعم التفاعل الإقليمي، وفي السطور التالية نبذة من تدخلاتها في أنظمة الحكم العربية.
ليبيا
قطر كانت فاعلة في الاحتجاجات التي شهدتها ليبيا، فكانت في طليعة الدول بجانب فرنسا وبريطانيا التي قامت بتعبئة المجتمع الدولي من أجل التحرك ضد «القذافي»، فقد حشدت الدعم العربي بشكل حاسم من خلال الجامعة العربية لفرض منطقة الحظر الجوي، ودعمت موقفها بتعليق عضوية ليبيا في الجامعة العربية.
وبررت قطر موقفها بأن قالت «إن هدفها تحفيز الأمل بأن الجامعة العربية يمكن أن تشكل آلية للحؤول دون حصول هذه الأمور، وأن السياسيين العرب يجب أن يكونوا أكثر جدّية».
كانت مساعدة قطر العسكرية والمالية حاسمة في نجاح الانتفاضة الليبية، وبخاصة في تمكين الحكومة المؤقتة الناشئة، المجلس الوطني الانتقالي، من اكتساب الزخم.
وشاركت مقاتلات ميراج القطرية في الغارات الجوية التي شنها حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وأعطت قناة «ليبيا تي في»- مقرّها في قطر- الفرصة للمتمردين كي يجعلوا قضيتهم مسموعة حول العالم.
وكانت أشكال المساعدة غير العسكرية التي قدمتها قطر للمتمردين في ليبيا حاسمة أيضا، وتضمنت أكثر من 400 مليون دولار من المساعدات المالية، وإمدادات المياه، والغاز للتدفئة، والسلع الأساسية، والمساعدة في بيع النفط الليبي وتسويقه من الموانئ الشرقية الخاضعة إلى سيطرة المتمردين.33
وفي الوقت الذي كان فيه الغربيون يرفضون تسليح المتمردين، كانت قطر سباقة للتطوع بتوفير التدريب للمقاتلين، ومدت بما لا يقل عن 20 ألف طن من الأسلحة القادمة إلى المتمردين، فضلا عن حقائب الدولارات التي تمت الاستعانة بها من أجل استقطاب القبائل، وساهم ذلك في تسلل الآلاف من المقاتلين بزي موحد إلى منطقة طبرق ثم إلى منطقة جبل نفوسة.
كما أنشأت قطر روابط وثيقة مع قادة اثنين من الميليشيات هم عبد الحكيم بلحاج من كتيبة طرابلس مرهوبة الجانب، والأخوان الصلّابي.
ودعمت قطر كتائب متمردين متباينة في الميدان، وهو ما عقد مهمة توحيد الحركة المناهضة للقذافي منذ مرحلتها الأولى، وساهم في الانقسام اللاحق للحركة، كما زرع هذا الأمر بذور الخصومة بين الشبكات السياسية والأمنية التي تدعمها قطر والتي انفجرت على الملأ في صيف العام 2014.
وأخيرا رفرف علم قطر وعلم ليبيا الحرة جنبا إلى جنب على أنقاض مقر القذافي الذي تم الاستيلاء عليه.
تونس
ظهرت قطر كقوة داعمة اقتصاديا للنظام الانتقالي التونسي، فقد تدفقت الهبات القطرية حين دخلت في خضم الربيع العربي.
وازدهرت العلاقات التجارية بين قطر وتونس في أعقاب ثورة يناير 2011 وانتخاب حكومة يترأسها حزب النهضة الإسلامي.
وكان ملاحظ على وجه الخصوص ذلك الإعلان في مايو 2012 عن خطط قطرية لبناء مصفاة على ساحل خليج قابس في الصخيرة بتونس يصل إنتاجها إلى 120 ألف برميل يومياً.
وجاء تدخل قطر في تمويل تونس عقب تأسيس حكومة «الترويكا» وزيادة قوة حزب «النهضة»، المعروف انتماءه لجماعة الإخوان، بعد انتخابات الجمعية التأسيسية في العام 2011، وتمنت أن ينظر الغرب إلى تونس على أنها محور وجسر إلى حزب «النهضة» وعلى أنها جزء من شبكة الحركات الواسعة، والتي كانت تسعي قطر لأن تكون القوى الأكبر مستقبليا بمنطقة الشرق الأوسط.
مصر
وضخت قطر أيضا في مصر استثمارات كبيرة خلال فترة رئاسة محمد مرسي، القيادي في جماعة الإخوان، وهو ما قاد قدرا من التشكك الإقليمي بأهداف الدوحة، فقد شملت جهودها سلسلة من المشاريع المشتركة وعمليات الاستحواذ في القطاع المالي المصري، وأكثر من 8 مليارات دولار من المساعدات التي تهدف إلى دعم الاقتصاد المصري المتعثر.
العلاقة بين قطر والإخوان، ودعمها المستمر، ظهر في تصريحات وزير الخارجية القطري التي قال فيها إن «بلاده مستعدة إذا طلب منها التوسط لإنهاء الأزمة السياسية التي تشهدها مصر منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي الى جماعة الإخوان».
وانقلبت قطر منذ ازاحة جماعة الإخوان في مصر، حيث شنت «قناة الجزيرة» القطرية حربًا إعلامية قادتها ضد مصر وأثارت بها الجدل، خاصة عقب فض الاعتصامات المسلجة للجماعة، بل وظهرت في أكثر من موقف داعمة للجماعات المتشددة التي تنفذ عمليات إرهابية ضد العسكريين والمدنيين.
البحرين
تقف قطر بطريقة غير مباشرة خلف مشاريع التخريب والفتنة التي تشهدها البحرين، رغم إعلان عدد من الدول العربية دعمها لموقف حكومة البحرين، ضد التدخلات الخارجية.
مشاريع التخريب في البحرين مدعومة بقوة من إيران، الحليف الأول الآن لـ«تميم» أمير قطر، والذي رحب بالعلاقات مع طهران، مؤكدا انها قوة إقليمية لا يمكن الاستهانه بها.
ومن جانبه رأى المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية الوزير المفوض محمود عفيفي أن تنفيذ مواثيق جامعة الدول يعود للدول نفسها.
وفي ذات السياق قال الدكتور جمال سلامة أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بجامعة السويس في تصريح خاص لـ«صدى» أن المشكلة ليست في ميثاق جامعة الدول العربية وإنما في إرادة الدول العربية ذاتها، وإذا ما قادت المملكة العربية السعودية هذا التوجه فربما ينفذ، وإذا ما تم تنفيذ الحجب على القطر في التجمع الأصغر دول التعاون الخليجي فربما تتشجع جامعة الدول على اتخاذ نفس النهج.