ما جعلني أتطرق إلى مناقشة موضوع الرسوم المتحركة ما انتشر قبل أيام على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى نطاق واسع مقطع لمسلسل كرتوني مدبلج في إحدى القنوات وكان يتحدث باللهجة المصرية ” أنا مش مزنب” والذي فسر على أنه يقول ” أنا مش مسلم” ‏والحقيقة أن هذا المقطع حرك المياه الراكدة لدى الكثير عن ما يقدم للطفل العربي من خلال تلك القنوات والمسلسلات المدبلجة فعندما نعقد مقارنة بسيطة بين الرسوم الكرتونية المتحركة القديمة والحديثة لا نجد أي وجهة مقارنة بين تلك المسلسلات لا من حيث القصة أو الدبلجة أو اللغة فأنا لازلت أتذكر الكثير من تلك الرسوم التي لا يمكن نسيانها من خيالي مثل ( سندباد- كابتن ماجد- جزيرة الكنز- حكايات عالمية _ جريندايزر…) وغيرها.

وبالرغم أن أغلب تلك القصص كانت شخصيات خيالية لكن كانت تخاطب عقل الطفل بأسلوب ومضمون مفيد مثل (احترام الوالدين- وحب الخير – حب العمل- مساعدة الأخرين- عدم الكذب… ) وكانت أيضا زاخرة وغنيه بمفردات اللغة العربية الفصحى. بل كان أداء الاصوات إبداع في حد ذاته من خلال الأداء والتفاعل مع الشخصية والنطق الجيد لللغة العربية الفصحى أمثال جهاد الأطرش الذي أدى دور (الدوق فليد) في (جريندايزر) ووحيد جلال الذي أدى دور (جون سلفر) في جزيرة الكنز , وفلاح هاشم الذي أدى دور عدنان في مسلسل (عدنان ولينا) وغيرهم الكثير.

‏ عكس ما يقدم اليوم من مسلسلات مدبلجة في مجملها تكون باهتة يتعلم الطفل من خلالها الكثير والكثير من السلوكيات السلبية مثل العنف والإجرام والجنس. إضافه إلى ضعف المؤدين لغوياً , ولو وجد مسلسل كرتوني جديد يخلو من تلك السلبيات ففي الغالب يكون بلا مضمون مفيد يقدم للطفل جرعة من القيم والمبادئ الإنسانية الجميلة .

‏فمن خلال مشاهدتي لعدد من تلك الافلام الحديثة مع أبنائي وجدت أن أكثر موضوعاتها متعلقة بالعنف والجريمة، ذلك أنها توفر عنصري الإثارة والتشويق الذين يضمنا نجاح الرسوم المتحركة في سوق التوزيع، ومن ثم يرفع أرباح القائمين عليها، غير أن مشاهد العنف والجريمة لا تشد الأطفال فحسب، بل تولد لديهم شخصية عدوانيه مع تكرار مشاهدتها بشكل مستمر, وهذا يؤثر على نفسياتهم واتجاهاتهم التي تبدأ في الظهور بوضوح في سلوكياتهم العدوانية حتى في سن الطفولة .

طبعا أنا هنا لا اطالب بإيقاف تلك المسلسلات فكما نعرف أن عملية دبلجة الرسوم المتحركة المستوردة في اعتقادي خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، لكن من الضروري التفكير جدياً في الأمر، فهذه الرسوم المتحركة المستوردة والمدبلجة ، يجب أن تراجع مراجعة دقيقة من كل الزوايا والجهات، طالما لسنا مؤهلين لإنتاج الشبيه الهادف والمفيد، الذي يراعى القيم والثوابت الدينية والاجتماعية، وتبني الناشئة وفق مبادئها الحضارية عربيًا وإسلاميًا .

‏فمن الخطأ الذي لا يغتفر بحق الطفولة العربية حرمانها من جمال وعظمة اللغة العربية الفصحى أعظم وأجمل وأكمل لغات الدنيا, بل تعتبر جريمة أن تكون الدبلجة لمسلسلات الأطفال بغير اللغة العربية الفصحى, فنحن نريد أن يتعلم أطفالنا النطق السليم وتكون مخارج الحروف عندهم صحيحة فمن يدبلج بغير اللغة العربية لمسلسلات الأطفال يسيء إلى اللغة العربية الفصحى فيجعلها غريبة وصعبة على أهلها وهذه جريمة في نظري لا تُغتفر.

‏في الختام كم أتمنى أن تعود مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك بدول الخليج إلى لعب دورها الذي كانت تقوم به قبل حرب الخليج الثانية فقد كانت برامجها تعتبر المدرسة الثانية للأطفال في ذلك الوقت والمكان الذي يتعلم منه الطفل العربي والخليجي بالذات الحروف والكلمات واللغة العربية الفصحى. وأن لدى هذه المؤسسة مشاريع استراتيجية للنهوض بفكر وثقافة الطفل الخليجي في ظل التدني الكبير لتلك البرامج .