الديموقراطية باتت تزحف فوق كل تصرفاتنا وتعاملاتنا. صرنا لانفرض أمراً على شخص مهما كانت أفضليتنا عليه. سواء كان الحديث من أب لأبناءه أم من معلمٍ لطلابه، صار توخي الحذر و محاولة التوصل الى اتفاق سلمي مطلباً ضرورياً.

مع ان نهج التفاهم والموازنة بين مايريده كل طرف والالتقاء في المنتصف أمر جميل الا أن هناك أموراً في الحياة لاتقبل الجدل ولاتتطلب رضا الطرف الآخر.
منذ أن كنّا صغاراً تعلمنا المثل :”أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة” فتخيل أن والداك اللذان يكبرانك بـ٢٠ عاماً على الأقل مجبران على أن ينقلا خبرة طويلة ومعرفة عميقة الى عقلك في دقيقة واحدة كي تقتنع وترضخ بما يأمرانك به. إن الأمر شبه مستحيل. وكم من الأمور رفضناها ثم بينت لنا الحقائق والتجارب أنه من الأسلم لو تقبّلناها. وكثير من الأبناء المتمردين على قوانين آباءهم طبقوها حرفياً حين أصبح لهم أبناء لأن الأيام أثبتت لهم جدواها.

مشكلة البعض أنه يريد أن يضاهي الأكثر خبرة ويصل الأمر الى ذروته حين يريد المخلوق أن يضاهي خالقه. العقل البشري لايمكن بأي حال أن يجاري الحكمة الالهية. ولو أن الله حين خلق البشر قسّم لهم من العلم والمعرفة والاطلاع على الغيب ماهو موجود لديه عزّ وجل ، لاختلّ نظام الكون ولم يكن هناك حاجة للعبادة ولا الدعاء ولا التوجه الى الله.

فكيف يطلب بعض البشر تفسيراً مقنعاً للأمر بالحجاب؟ وكيف يحتكمون الى المنطق العقلي البشري للتوصل الى الحكمة الخفيّة وراء خلق الشرّ مثلاً؟ وكيف لايتبّعون من الدين الا ماوافق هواهم ورأوا خيراً منه؟

كل هذه الأسئلة والاستفسارات تزيد من شقاء الانسان، فلا هو الذي وجد اجابات لكل مايريد ولا هو الذي استسلم لله ونواميسه في الكون.

إن في الطاعة المطلقة للخالق والتسليم لأمره وقضائه وقدره لذّة لايدركها الا المؤمنون الحق الذين قالوا “سمعنا وأطعنا”.

“إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .”

يعلمون أن كل مانقص في جزء من حياتهم زاد في جزء آخر لايدركونه. ويوقنون أن الحرمان من متعة دنيوية يقابله فردوس لاينضبّ ونعيم لايذهب. يسيرون في الحياة مبتسمين قانعين أن من أوجدهم على هذه الأرض لم يكن ليتركهم ولا ينساهم.

أحياناً عليك أن تفعل ماتُؤمر اذا أخبرك قلبك أن الآمر به شخص مُحب ويعلم مايقول.