اللغة ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الفكر, وليست مجرد أداة كباقي الأدوات يمكن الاستغناء عنها بمحض إرادتنا, فممارسة اللغة تعني تدبير شأن الفكر في أوسع معانيه, ويؤكد الفيلسوف طه عبدالرحمن أن اللغة ترسم كيفيات الوجود وتحدد طرائق تفكير ملة ما عن غيرها.

فاللغة هوية, والهوية لغة, وكلاهما وجهان لعملة واحدة, وهذا ما أصبحت تدركه النخبة الأمازيغية المثقفة, مما حدا بها لتأسيس مشاريعها اللغوية, رغبة منها في الحفاظ على لغتها وهويتها من الاندثار والتحلل في المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها.

فالأمازيغية تعتبر الإطار المرجعي للأمازيغيين الذي يقولب ذاكرتهم الجماعية ويصوغ هويتهم الثقافية الجماعية, ويؤسس شخصيتهم الثقافية واختلافهم بالنسبة للآخر, فهم مدركون مقدار الخطر الذي يحوم حول وجودهم الثقافي, مهددا لغتهم بالتشتت والتقوقع وسط تنافس عالمي في سباق الهويات.

رفعت القومية الأمازيغية شعارتها مقابل نظيرتها العربية, كشعارات من قبيل: الأمازيغية والشعب الأمازيغي والوطن الأمازيغي واللغة الأمازيغية. وقد أخذت اللغة الأمازيغية الحيز الأكبر في صراع الهوية في منطقة شمال أفريقيا فالكلام عن دورها في تشكيل وعي الإنسان في المنطقة وثقافته وتاريخه وعموما في تشكيل هويته, حتى أن بعضهم عادة ما يختصر القضية الأمازيغية بمجملها في مسألة “اللغة الأمازيغية” إلى درجة التماهي المطلق بينهما.

وبما أن اللغة الأمازيغية كانت لا تتصف بالمعيارية إذ أن قواعدها التركيبية والصرفية والمعجمية والصواتية تبقى ضمنية وغير متجلية في كتب ترسم معيار النطق السليم والمعنى الصحيح, وتفرق بين ما هو صح وما هو خطأ, كما هو الحال بالنسبة للغات المدرسية, ويضاف لعدم معيارية الأمازيغية فإنها تفتقد الدعم المؤسساتي, لذا أجبرت الأمازيغية أن تؤسس لنفسها وبنفسها مجموعة من الاستراتيجيات تتوخى خلالها الحفاظ على وجودها في سبيل تنميتها وإدماجها عملياً في إطار الثقافة المغربية.

وقد وقع اختيار النخب الامازيغية على المنهج المعياري, رغبة في توظيفه لتقعيد النحو الأمازيغي وتقنينه, فهو بالنسبة لهم ضرورة ملحة وشرط مسبق لعملية تدريس الأمازيغية وتلقينها, لذلك عملت النخب على إيجاد عدد لا يستهان به من كتب النحو الأمازيغي, وتتوخى هذه المحاولات توحيد النحو الأمازيغي وتقنينه.

وقدم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في المغرب نسخة من الأمازيغية, أطلق عليها مسمى (الأمازيغية المعيارية) في محاولة لتعيير الأمازيغية تمهيداً لتوحيدها, ويشتغل المعهد منذ مدة على تطوير هذه النسخة المعيارية من خلال مركز بحثي مخصص لهذا الغرض, وضعت له أهداف بعيدة ومتوسطة المدى تسعى لتوحيد اللغة الأمازيغية في المجال المعجمي والنحوي, ودمجها مستقبلا في المجالات الحيوية التي ستضمن تطورها ورقيها, كالتعليم والاقتصاد والقضاء والإعلام.

ويقول أحد منظري هذه اللغة النخبوية رداً على المعترضين عليها, بأن مسألة نشوء لغة أمازيغية موحدة ومعيارية (هو أمر طبيعي تماما حدث في كل لغات العالم …).

كانت رغبة النخبة الأمازيغية واضحة وجلية وجادة, فهي تسعى إلى تأسيس لغة فصحى تتعالى عن اللهجات المبعثرة هنا وهناك, وترقية هذه اللغة الفصحى لمستويات (أسمى) بغية تقليل ارتباطها الكامل بالواقع الاجتماعي في مستوياته الدنيا.