ورد في القرآن الكريم, إشارة إلى ذرية نوح عليه السلام, بوصفهم الباقين: (وجعلنا ذريته هم الباقون) دون أن يذكر القرآن أسماء ذريته أو أسماء بعضهم. ونستخلص من ذلك أن ذرية نوح موجودة لوجود النص القرآني القاطع, لكن عدد أو أسماء تلك الذرية فهو في علم الغيب ولا يعلم بحقيقة ذلك إلا الله سبحانه.

فمن أين جاءت إذن تسمية “السامية” و “الساميين”؟ هي قطعا لم تخترع اختراعا, فهي مقتبسة من كتاب التوراة الذي ورد فيه أن أبناء نوح هم: سام وحام ويافث, ومن سلالتهم تكونت القبائل والشعوب, فالساميون هم أبناء سام بن نوح, وهو جد لأقوام من البشر, ولا يعرف مصدر لتقسيم سلالات البشر إلى ساميين وحاميين ويافثيين, غير التوارة, والتوراة بطبيعة الحال مصدر غير موثوق لقوله تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله).

وبالتالي فإن شخصية سام بن نوح لم يقم دليل على وجودها حتى اليوم, وبالتالي فإن مصطلحات كالجنس السامي والشعوب السامية واللغات السامية, مصطلحات تقوم على فرض لم يدعمه شيء لا من العلم, ولا من التاريخ, ولا من النقوش, فالسامية من موقف “علمي” محض ليست إلا خرافة لا أصل لها حقاً.

وتسمية (اللغة السامية) المشتقة من شخصية سام بن نوح, تسمية غير دقيقة وقد رفضها أكثر الباحثين, ومن يستعمل هذا التسمية فإنه يستعملها على سبيل الأخذ بالشائع وليس على سبيل التسليم والاعتقاد برجحانه, وأول من أطلق هذه التسمية هو النمساوي شلوتسر في القرن الثامن عشر, والمؤكد أنه أخذها من النص التوراتي, وقد تأثر بها كثير من المؤرخون وعلماء الأنساب وبنيت عليها الكثير من الحقائق مع أنها لا تستند على أساس علمي ثابت.

ويعتقد المختصون الغربيون أن اللغات السامية ترجع إلى أصل لغوي واحد, هي اللغة السامية الأم, وهي اللغة الأولى التي أنبثقت منها بقية اللغات السامية المتفرعة, ويعتقدون أن بين هذه اللغات السامية تشابه وخصائص مشتركة يعود أصلها للغة الأم, وهذه اللغة لا وجود لها في أي وثائق أو نقوش مكتوبة, وقد حاول الباحثون الاهتداء إلى الأصول الأولى للغة الأم, غير أنهم كانوا يدركون تماماً أن هذه اللغة الأم لا تخرج عن كونها افتراضاً قابلا للتعديل في أي وقت.

اللغات السامية ليست حلقات متصلة في سلسلة لغوية واحدة, يمكن أن تعد إحداها أقدم اللغات والأخرى أحدث منها, وتتبع تطور هذه اللغات هو ضرب من المستحيل, حتى أن اكتشاف المواقع الجغرافية للشعوب السامية لم يزل متعسرا, فلا أحد يعرف بشكل مؤكد أين كان يسكن الشعب السامي الأول؟

يقول الدكتور علي عبدالواحد في كتابه فقه اللغة: “كما أختلف العلماء في الموطن الأول للأمم السامية, اختلفوا كذلك في اللغة الأولى التي يتكلم بها الشعب السامي أيام أن كان أبناؤه مجتمعين في موطن واحد”.

والمثير للاستغراب أن بعض المختصين في اللسانيات ومن يدعي أنه يدرس اللغة دراسة علمية, قد أخذوا فرضية (اللغة السامية) بعلاتها مع أنه لا يوجد دليل واحد يدعمها, لا من التاريخ ولا من الحفريات, ومع هذا فإنهم لم يعدلوا عنها ويطرحوها جانبا, بل تلقفوها وتمسكوا بها وبنوا عليها الحقائق, مما يجعل المتابع لهم يعيد النظر حول ما يدعونه من العلمية, بل الأغرب هو إصرارهم على إخضاع هذه الفرضية إلى المنهج دون دليل مادي وملموس مما يتنافى جملة وتفصيلا مع معايير المنهج العلمي الحديث.