الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، تتجلى عناية القرآن الكريم بالوالدين في أمور عدة منها أن الله سبحانه لما أمر الخلق بعبادته، جعل بر الوالدين مقروناً بعبادته، قال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً … } سورة النساء: 36، وأيضاً قرن شكر الوالدين بشكره فقال:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} لقمان: 14.
والبر بالوالدين والإحسان إليهما لا يختص بهما إذا كانا مسلمين فقط ، بل حتى إذا كانا كافرين: كما قال تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً..} لقمان: 15.
قال القرطبي رحمه الله: والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين، وإِلانةِ القول، ودعوتهما إلى الإِسلام برفق، والأمر بالإِحسان للوالدين قد كتبه الله على الأمم السابقة، مما يدل على عظم حقهما وعلو شأنهما، وقال القرطبي عن قولة تعالى : {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} ، أي: وأمرناهم بالوالدين إحسانا وقرن الله حق الوالدين بالتوحيد في هذه الآية، لأن النشأة الأولى من عند الله، والنشء الثاني – وهو التربية- من جهة الوالدين.
وجعل الله سبحانه العقوق للوالدين قرينا للشرك في قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا … } الأنعام: 151.
ففي هذه الآية نهى عن الشرك بالله سبحانه، ثم أتبعه بالأمر بالإحسان للوالدين، والأمر بالشيء يقتضى النهي عن ضده، وهو تحريم ترك الإحسان، ولما كان ترك الإساءة في حق الوالدين غير كاف في البر بهما أمر بالإحسان إليهما ليشمل الأمرين، وهما تحريم الإساءة إليهما والأمر بالإحسان إليهما وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عقوق الوالدين من السبع الموبقات، كما جاء في الحديث الصحيح.
فيجب علينا كمسلمين أن نجتهد في برّ والدينا وأن نبتعد عن عقوقهم والتضجر منهم ومن أوامرهم.