لااعتقد هذا مثل ..يبدوا ان الحاجة الماسة ارغمتني على اختراعته .. مع حلول عام 1390 هجرية بدأت حياة والدي تنتعش قليلا حين خرج من بوتقة “راتب الارزاق” وهذا لمن لايعرف هو جزء من راتب العسكري آنذاك في معظم الاوقات فكان والدي يعود آخر الشهر محملا بخيشة تمر مع السكر والطحين والزيت او آقة من السمن البلدي .. انتعشنا قليلا حين اصبح راتب ابي مئتان وتسعون وارتفع الى ثلاثمائة وتسعون ريال ..نزعت بعدها سراويل وقمصان الدقيق الخشنة التي كانت تخيطها امي لي وتوقعني في حرج دائم لِما يُكتب على قماشها من عبارات مثل دقيق فاخر .. او نخب اول ..او طحين صافي ..اغلب تلك الطبعات كانت من نصيبي إما في مقدمة السروال او مؤخرته ..كانت المرة الاولى التي نعرف فيها ثوب ابو لمعة. ..

اطلقوا عليه فيما بعد “كابرس” لوصول الدفعة الاولى من تلكم السيارات للمملكة..انتعشت حياتنا قليلا وكثر اللحم في اصدغي وزداد وزني بعد ان كنت عظما رميما ومالبث ان قرر والدي شراء سيارة.. واجتهد من اجل ذلك لجمع المال .. استطعنا بعد اربعة اعوام عجاف من شراء سيارة يابانيه جديدة اسمها ” ماركتو” بمبلغ سبعة ألاف ريال نصفها كان قرض ..المصيبة لم اكن انا او والدي يعرف قيادتها فكنا نستعين بجارنا على ذلك .. الجار غفر الله له كانت خبرته لاتتجاوز قيادة حراثة في مزرعة لكن الرجل اجتهد معنا وفينا حتى تعلمنا واياه القيادة!! وازعم انني افضل قائد سيارة في الحي رغم انني جعلت من سيارة ابي معجون طماطم ولم اترك فيها شبرا الا وتلقى ضربة او صدمة في جدار .اضطر ابي الى تشغيل السيارة لتحسين دخلنا ولسداد الدين المتراكم عليه ..كنت اقف معه في السوق لتحميل الركاب فأنادي واحد راكب.. واحد راكب بريال.. بريال ..

ولم يكن معنا اي راكب لكنها خدعة يبتدعها الكدادة لسرعة التحميل..استمرينا على هذا المنوال عاما كاملا استطعنا ان نسدد الدين وان نعيد بناء بيتنا الطيني الى بُلك واستطعنا ايضا ان “نطبطب” الحوش لأمي بعد ان كسر ظهرها من كنسه على التراب ..واشترينا اول “اتريك” على الجاز.. والاتريك هو مصباح بفتيله تشتعل بضوء ساطع بعد ان كدنا نموت من خنقة الفانوس .. كل ذلك فعله والدي من “الكدادة” ولم نستعيب من واقعنا او ننغمس في التذمر والشكوى ..استعدت كل ذلك بعد ان ركبت بالامس من مطار الملك فهد بالدمام الى الخبر مع شاب سعودي يدرس في الصباح بالجامعة ويصرف على اسرته من سيارته التي اضطر ان يأخذها بنظام التأجير ..لكن وجهه يتهلل فرحا وهو يقود مركبته وكأنه يقول ..

انا اكد وأمد واسعى من شقى اليد .. لاتنتظروا من الحكومة اي دعم او مساندة بعد الان وكل ماتسمعونه هو هرطقات ودراسات لأمتصاص غضب الناس من الفاجعة القادمة ..حساب مواطن وساند وماند وكل تلكم الطقات لن تجدي نفعا وستتوقف مثل غيرها من دعم فقد ولت ايام الطفرة .. ولانعلم اين تقودنا هذه المرحلة .. لكن مثل اولئك الشباب ليسوا بحاجة الى شفقة بقدر حاجتهم الى مساندة ودعم حقيقي ولكن للاسف ابواب العمل تضيق عليهم حتى من جهات رسمية ..

يقول الشاب في المطار اعمل خلسة من اعين الشرطة والمرور وتقدمت بطلب رخصة لنقل الركاب ورفضوا وعجزت ان اجد مخرجا يساعدني على العمل الا ان اكون تحت سيطرة كبرى الشركات التي تمتص كل قوة يومي وترمي لي بالفتات .. وتستحوذ عددا من الشركات على مثل هذه الاعمال ويديرها إما مسؤلين جشعين او اقطاعيين كروشهم لاتشبع ..فمتى نقف مع ابناؤنا ليسدوا رمق عيشهم بما تكسبه ايديهم وبالنظام..سؤال لااعرف اجابته .. وكفى ..