قرأت رواية (آمال عظيمة) للكاتب تشارلز ديكنز في المرحلة الجامعية حيث كنتُ أدرس الأدب الانجليزي. الرواية تدور حول سجين هارب يلتقي بفتى صغير اسمه “بيب” فيقوم الأخير بجلب الطعام للمجرم الجائع. بعد سنوات يتلّقى بيب مساعدة مالية مستمرّة لاكمال دراسته الجامعية من شخص مجهول يتضّح في الأخير أن هذا المجهول هو السجين الهارب الذي التقاه بيب حين كان طفلاً.

كانت تخبرنا دكتورة مادة الرواية الانجليزية عن قضية الامتنان وردّ الجميل في هذه الرواية.
لكنّي شعرت أن قاتلاً فارّاً من العدالة لن يتمتع بخصلة عظيمة كهذه ولمجرّد قطعة خبر والقليل من الطعام.

لاحقاً، حين ارتكبت بعض الأخطاء واتخذت خيارات غير سليمة في حياتي، عرفت أن هذا ماتتحدّث عنه الرواية: الرغبة في تفادي أخطاء حياة غيرك تصحيحاً لأخطائك الشخصية.

الفتاة التي تتزوج مبكراً وتتخبّط جرّاء ذلك، ترغب أن تحظى ابنتها بوقتٍ كافٍ من عدم الارتباط قبل الزواج. الشاب الذي لايكمل تعليمه بسبب فقر او جهل يحرص بشدّة أن يكمل أبناءه تعليمهم.
نمحو أخطائنا من خلال التأكد من عدم تكراراها في غيرنا.
نشعر أن ثقباً أحدثناه في العالم يمكن رتقه في روحٍ أخرى.
الفرص الضائعة والوقت الذي فات أفكار مرعبة تعاكس رغبتنا في الاستمرار في الحياة. هل فعلاً حكمتُ على نفسي بالفشل وليس هناك أمر يغيّر هذه الحقيقة؟ ألم يخترعوا بعد طريقة للعودة الى النقطة التي اتخذنا فيها الخيار الخاطئ وتغير كل شئٍ من بعدها؟
لذلك لا أحد سيكون أكثر حماسة لتحذيرك من أمرٍ سئً كشخص يعيش هناك في الجحيم أو عائدٍ منه. لن تخشى مخاطر المخدرات الا اذا سمعت عنها من مدمنٍ. مهما حكى لكِ خطيب المسجد ومهما قرأت منشورات تحذيرية، لن ترى الحسرة والندم سوى في أعين المدمن وهو يخبرك عن آثارها المدمّرة.
لأجل هذا لا أتفق تماماً مع الفكرة التي تنادي أن تصلح حالك أولاً قبل أن تخبر الآخرين أن يفعلوا. أتفق أن التعليم بالقدوة ناجح الى حدٍ بعيد. لكن ذلك لا يمنع أن يقوم شخص دمر حياته بنصح الناس ألاّ يدمروا بدورهم حيواتهم.
قد يكون الوقت بالنسبه اليه قد فات لإصلاح جزء من حياته أو قد يكون علق هناك في الضياع بسبب العادة أو نفاذ الخيارات. لكن ذلك يجعله مؤهلاً أكثر من الفرد الصالح أن يخبرك ألاّ تسلك مسلكه لأنه يقدّم لك مثالاً حياً على ماينتظرك في نهاية هذه الطريق.