يقول سعد البازعي في كتابه قلق المعرفة: “فالقرآن الكريم الذي يحرص أهل العربية عليه يحتوي مفردات أجنبية, فارسية في المقام الأول”.

للأسف أن أكثر من كتبوا في المعرب والكلمات القرآنية ذات الأصل الأعجمي, والأخ الفاضل سعد البازعي أحدهم, لم يعطوا ظاهرة التوافق اللغوي أو توافق اللغات حقها من البحث, ففي كتاب المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي تفصيل لظاهرة توافق اللغات.

قال الجمهور: ليس في كتاب الله سبحانه شيء بغير لغة العرب لقوله تعالى: (إنا جعلناه قراءناً عربياً) وقوله تعالى: (بلسان عربي مبين) وأدعى ناس أن في القرآن ما ليس بلغة العرب, حتى ذكروا لغة الروم والقبط والنبط. وقال أبو عبيدة: (ومن زعم ذلك فقد أكبر القول).

وقال الإمام فخر الدين الرازي وأتباعه: ما وقع في القرآن من نحو: المشكاة, والقسطاس, والاستبرق, والسجيل, لا نسلم أنها غير عربية, بل غايته أن وضع العرب فيها وافق لغات أخرى كالصابون والتنور, فإن اللغات فيها متفقة. وقال ابن جني في الخصائص: يقال: إن “التنور” لفظة اشترك فيها جميع اللغات من العرب وغيرهم.

وقد قال الإمام الشافعي: “إن كل ما قيل في القرآن أنه معرب, ليس كذلك, وإنما هو توافق اللغات” وهكذا لا نستطيع أمام هذه الظنون أن نقطع بشيء سوى القول بالتوافق بين اللغات, خاصة وأن اللغات السامية تتشابه كلماتها في كثير من الأحيان, فيصعب القطع بأن أحداهما تمتاز بهذه الكلمة دون سواها.

وبعض الكلمات القرآنية تساق عند بعض المصنفين على أنها من المعرب ولكن عند فحصها يتبين أصلها العربي, ولعل بعض الكلمات السامية قد استعارتها الفارسية في عصر موغل في القدم, ثم عادت إلى العربية على أنها فارسية. ومن هنا فلا بد من التحرز من الأحكام الجزافية التي تجعل اللغات العبرية والسريانية والفارسية وكأنها (أساتذة) تلقن العربية ما ينقصها من الكلمات.

وهناك كلمات ذكرها الثعالبي في الأسماء المشتركة في لغة العرب والفرس على لفظ واحد, ويرى بعض المحدثين أن بعض الألفاظ عمت جميع اللغات والألسنة, وأختلفوا في نسبتها إلى لغة دون أخرى, وكذلك المتقدمون طال جدالهم فيها، وصنفها بعضهم مما اتفقت فيه اللغات.

وفي العصر الحاضر يقول الأستاذ أحمد شاكر: “العرب أمة من أقدم الأمم ولغتها من أقدم اللغات وجودا, كانت قبل إبراهيم وإسماعيل, وقبل الكلدانية والعبرية والسريانية وغيرها, بل والفارسية, وقد ذهب منها الشيء الكثير بذهاب مدنيتهم الأولى قبل التاريخ, فلعل الألفاظ القرآنية التي يظن أن أصلها ليس من لسان العرب, ولا يعرف مصدر اشتقاقها, لعلها من بعض ما فقد أصله, وبقي الحرف وحده”.

ويوافق قول احمد شاكر قول ابن فارس حين قال: “ذهب علماؤنا أو أكثرهم إلى أن الذي انتهى إلينا من كلام العرب هو الأقل, ولو جاءنا جميع ما قالوه لجاء شعر كثير وكلام كثير”.

فالقول بعدم عربية بعض كلمات القرآن الكريم هو مثير للريبة ويفتقر للدقة ذلك أن اللغات السامية ترجع لأصل واحد, فلا يصح اعتبار الكلمة التي تتشابه في لغتين أو أكثر من هذه اللغات دخيلة في لغة وأصيلة في غيرها, وطبعا مثل هذه الكلمات قد ترجح كون أحد هذه اللغات هي اللغة الأصل, وقد ترجع أن اللغة العربية هي أصل كل اللغات السامية.

فقول البازعي بأجنبية بعض ألفاظ القرآن الكريم هو قول غير دقيق, ويحتاج إلى بحث أعمق للوقوف على حقيقة هذه الكلمات التي نسبت إلى لغات أخرى ومحاولة تأصيلها للوقوف على أصل هذه الكلمات وتاريخ تطورها.